الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          986 - مسألة : ولا يحل للمضحي أن يبيع من أضحيته بعد أن يضحي بها شيئا : لا جلدا ، ولا صوفا ، ولا شعرا ، ولا وبرا ، ولا ريشا ، ولا شحما ، ولا لحما ، ولا عظما ، ولا غضروفا ، ولا رأسا ، ولا طرفا ، ولا حشوة ، ولا أن يصدقه ، ولا أن يؤاجر به ، ولا أن يبتاع به شيئا أصلا ، لا من متاع البيت ، ولا غربالا ، ولا منخلا ، ولا تابلا ولا شيئا أصلا .

                                                                                                                                                                                          وله أن ينتفع بكل ذلك ، ويتوطأه ، وينسخ في الجلد ، ويلبسه ، ويهبه ويهديه ، فمن ملك شيئا من ذلك بهبة ، أو صدقة ، أو ميراث ، فله بيعه حينئذ إن شاء .

                                                                                                                                                                                          ولا يحل له أن يعطي الجزار على ذبحها ، أو سلخها شيئا منها ، وله أن يعطيه من غيرها ، وكل ما وقع من هذا فسخ أبدا .

                                                                                                                                                                                          وقد اختلف السلف في هذا - : فروينا من طريق شعبة عن قتادة عن عقبة بن صهبان قلت لابن عمر : أبيع جلد بقر ضحيت بها ؟ فرخص لي .

                                                                                                                                                                                          وروينا من طريق عطاء أنه قال : إذا كان الهدي واجبا يتصدق بإهابه وإن كان تطوعا باعه إن شاء . [ ص: 52 ] وقال أيضا : لا بأس ببيع جلد الأضحية إذا كان عليك دين .

                                                                                                                                                                                          وسئل الشعبي عن جلود الأضاحي ؟ فقال { لن ينال الله لحومها ولا دماؤها } إن شئت فبع ، وإن شئت فأمسك .

                                                                                                                                                                                          وصح عن أبي العالية أنه قال : لا بأس ببيع جلود الأضاحي ، نعم الغنيمة تأكل اللحم وتقضي النسك ، ويرجع إليك بعض الثمن .

                                                                                                                                                                                          وذهب آخرون إلى مثل هذا إلا أنهم أجازوا أن يباع به شيء دون شيء - : صح عن إبراهيم النخعي أنه كره بيع جلد الأضحية وقال : لا بأس بأن يبدل بجلد الأضحية بعض متاع البيت وأنه قال : تصدق به وأرخص أن يشترى به الغربال والمنخل .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا يجوز بيعه ، ولكن يبتاع به بعض متاع البيت كالغربال ، والمنخل ، والتابل .

                                                                                                                                                                                          قال هشام بن عبيد الله الرازي : أيبتاع به الخل ؟ قال : لا ، قال : فقلت له : فما الفرق بين الخل والغربال ؟ قال : فقال : لا تشتر به الخل - ولم يزده على ذلك .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : أما هذا القول فطريف جدا ، وليت شعري ما الفرق بين التوابل ، الكمون ، والفلفل ، والكسبرة ، والكراويا ، والغربال ، والمنخل . وبين الخل ، والزيت واللحم ، والفأس ، والمسحاة ، والثوب ، والبر ، والنبيذ الذي لا يسكر ؟ وهل يجوز عندهم في ابتياع : التوابل ، والغربال ، والمناخل ، من الربا والبيوع الفاسدة ما لا يجوز في غير ذلك ؟ إن هذا لعجب لا نظير له وهذا أيضا قول خلاف كل ما روي في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم .

                                                                                                                                                                                          وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي ظبيان فقلت لابن عباس : كيف نصنع بإهاب البدن ؟ قال : يتصدق به وينتفع به .

                                                                                                                                                                                          وعن عائشة أم المؤمنين أن يجعل من جلد الأضحية سقاء ينبذ فيه .

                                                                                                                                                                                          وعن مسروق أنه كان يجعل من جلد أضحيته مصلى يصلي فيه .

                                                                                                                                                                                          وصح عن الحسن البصري : انتفعوا بمسوك الأضاحي ولا تبيعوها .

                                                                                                                                                                                          وعن طاوس أنه عمل من جلد عنق بدنته نعلين لغلامه . [ ص: 53 ] وعن معمر عن الزهري لا يعطى الجزار جلد البدنة ولا يباع .

                                                                                                                                                                                          وعن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح أن مجاهدا ، وسعيد بن جبير كرها أن يباع جلد البدنة تطوعا كانت أو واجبة .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : ليس إلا قول من منع جملة أو من أباح جملة فاحتج من أباح جملة بقول الله تعالى : { وأحل الله البيع } .

                                                                                                                                                                                          قال علي : هذا حق إذ لم يأت ما يخصه ، وقد صح { عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأضاحي ما أوردناه من قوله عليه السلام : كلوا ، وأطعموا ، وتصدقوا ، وادخروا } فلا يحل تعدي هذه الوجوه فيتعدى حدود الله تعالى .

                                                                                                                                                                                          والادخار اسم يقع على الحبس ، فأبيح لنا احتباسها والصدقة بها ، فليس لنا غير ذلك .

                                                                                                                                                                                          وأيضا : فإن الأضحية إذا قربت إلى الله تعالى فقد أخرجها المضحي من ملكه إلى الله تعالى فلا يحل له منها شيء إلا ما أحله له النص ، فلولا الأمر الوارد بالأكل والادخار ما حل لنا شيء من ذلك ، فخرج هذان عن الحظر بالنص وبقي ما عدا ذلك كله على الحظر .

                                                                                                                                                                                          وهم يقولون ونحن في أم الولد كذلك أن له استخدامها ووطأها وعتقها ولا يحل له بيعها ، ولا إصداقها ، ولا الإجارة بها ، ولا تمليكها غيره ، وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وما وقع مما لا يجوز فيفسخ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } وأما من تملك من ذلك شيئا بميراث أو هبة أو صدقة فهو مال من ماله لم يخرجه عن يده إلى الله تعالى بعد فله فيه ما له في سائر ماله ولا فرق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية