ولما تشوف السامع إلى جوابهم بعد هذا الترغيب الممزوج بالترهيب ، أجيب بقوله :
nindex.php?page=treesubj&link=30549_31788_31842_31844_32024_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=66قال الملأ أي : الأشراف الذين يملؤون العيون بهجة والصدور هيبة ، ولما كانت عاد قليلا بالنسبة إلى قوم
نوح - عليه السلام - وكان قد أسلم من أشرافهم من له غنى في الجملة ، قيد بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=66الذين كفروا أي : ستروا ما من حقه الظهور من أدلة الوحدانية ، ووصفوا تسلية لهذا النبي الكريم فيما يرى من جفاء قومه بأن مثل ذلك كان لإخوانه من الأنبياء بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=66من قومه وأكدوا ما واجهوه به من الجفاء ؛ لأنهم عالمون بأن حاله في علمه وحكمه يكذبهم بقولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=66إنا لنراك أي : لنعلمك علما متيقنا
[ ص: 435 ] حتى كأنه محسوس
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=66في سفاهة أي : مظروفا لخفة العقل ، فهي محيطة بك من جميع الجوانب ، لا خلاص لك منها ، فلذا أدتك إلى قول لا حقيقة له ، فالتنوين للتعظيم ، فإن قيل : بل للتحقير ، كأنهم توقفوا في وصفه بذلك كما توقفوا في الجزم بالكذب فقالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=66وإنا لنظنك من الكاذبين أي : المتعمدين للكذب ، وذلك لأنه كان عندهم علم من الرسل وما يأتي مخالفهم من العذاب من قصة
نوح - عليه السلام - ولم يكن العهد بعيدا ، وأما قوم
نوح فجزموا بالضلال وأكدوه بكونه مبينا ؛ لأنه لم يكن عندهم شعور بأحوال الرسل وعذاب الأمم قبل ذلك ، ولهذا قالوا
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=24ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين قيل : ليس كذلك ، فقد ورد في جواب قوم
نوح في سورة
هود مثل هذا ، وهو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=27بل نظنكم كاذبين فإن قيل : إنما كان هذا في ثاني الحال بعد أن نصب لهم الأدلة وأقام البراهين على صحة مدعاه وثارت حظوظ الأنفس بالجدال ، فإنه يبعد أن يكون قومه أجابوه بذلك أول ما دعاهم ، قيل : والأمر كذلك في قصة
هود - عليه السلام - سواء فإنه لم يقل له ذلك إلا الكفار من قومه ، فتقييدهم بالوصف يدل على أنه كان فيهم من اتبعه ، بل وإن متبعه كان من أشرافهم هم بالظن ، وتعبير في الكذب لإرادتهم أنه يكفي في
[ ص: 436 ] وصفه بالسفاهة التي زعموها إقدامه على ما يحتمل معه ظنهم لكذبه ، أو يكون قوله غير الحق - في زعمهم - مرددا بين أن يكون قاله عن تعمد أو حمله عليه ما رموه به من السفه من غير تأمل .
وَلَمَّا تَشَوَّفَ السَّامِعُ إِلَى جَوَابِهِمْ بَعْدَ هَذَا التَّرْغِيبِ الْمَمْزُوجِ بِالتَّرْهِيبِ ، أُجِيبَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=treesubj&link=30549_31788_31842_31844_32024_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=66قَالَ الْمَلأُ أَيْ : الْأَشْرَافُ الَّذِينَ يَمْلُؤُونَ الْعُيُونَ بَهْجَةً وَالصُّدُورَ هَيْبَةً ، وَلَمَّا كَانَتْ عَادٌ قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى قَوْمِ
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ مَنْ لَهُ غِنًى فِي الْجُمْلَةِ ، قُيِّدَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=66الَّذِينَ كَفَرُوا أَيْ : سَتَرُوا مَا مِنْ حَقِّهِ الظُّهُورُ مِنْ أَدِلَّةِ الْوَحْدَانِيَّةِ ، وَوُصِفُوا تَسْلِيَةً لِهَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ فِيمَا يَرَى مِنْ جَفَاءِ قَوْمِهِ بِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ كَانَ لِإِخْوَانِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=66مِنْ قَوْمِهِ وَأَكَّدُوا مَا وَاجَهُوهُ بِهِ مِنَ الْجَفَاءِ ؛ لِأَنَّهُمْ عَالِمُونَ بِأَنَّ حَالَهُ فِي عِلْمِهِ وَحُكْمِهِ يُكَذِّبُهُمْ بِقَوْلِهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=66إِنَّا لَنَرَاكَ أَيْ : لَنَعْلَمُكَ عِلْمًا مُتَيَقَّنًا
[ ص: 435 ] حَتَّى كَأَنَّهُ مَحْسُوسٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=66فِي سَفَاهَةٍ أَيْ : مَظْرُوفًا لِخِفَّةِ الْعَقْلِ ، فَهِيَ مُحِيطَةٌ بِكَ مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ ، لَا خَلَاصَ لَكَ مِنْهَا ، فَلِذَا أَدَّتْكَ إِلَى قَوْلٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ ، فَالتَّنْوِينُ لِلتَّعْظِيمِ ، فَإِنْ قِيلَ : بَلْ لِلتَّحْقِيرِ ، كَأَنَّهُمْ تَوَقَّفُوا فِي وَصْفِهِ بِذَلِكَ كَمَا تَوَقَّفُوا فِي الْجَزْمِ بِالْكَذِبِ فَقَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=66وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ أَيْ : الْمُتَعَمِّدِينَ لِلْكَذِبِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ مِنَ الرُّسُلِ وَمَا يَأْتِي مُخَالِفَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ مِنْ قِصَّةِ
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يَكُنْ الْعَهْدُ بَعِيدًا ، وَأَمَّا قَوْمُ
نُوحٍ فَجَزَمُوا بِالضَّلَالِ وَأَكَّدُوهُ بِكَوْنِهِ مُبِينًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ شُعُورٌ بِأَحْوَالِ الرُّسُلِ وَعَذَابِ الْأُمَمِ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَلِهَذَا قَالُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=24مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ قِيلَ : لَيْسَ كَذَلِكَ ، فَقَدْ وَرَدَ فِي جَوَابِ قَوْمِ
نُوحٍ فِي سُورَةِ
هُودٍ مِثْلُ هَذَا ، وَهُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=27بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ فَإِنْ قِيلَ : إِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي ثَانِي الْحَالِ بَعْدَ أَنْ نَصَبَ لَهُمْ الْأَدِلَّةَ وَأَقَامَ الْبَرَاهِينَ عَلَى صِحَّةِ مُدَّعَاهُ وَثَارَتْ حُظُوظُ الْأَنْفُسِ بِالْجِدَالِ ، فَإِنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ قَوْمُهُ أَجَابُوهُ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَا دَعَاهُمْ ، قِيلَ : وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي قِصَّةِ
هُودٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَوَاءٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَهُ ذَلِكَ إِلَّا الْكُفَّارُ مِنْ قَوْمِهِ ، فَتَقْيِيدُهُمْ بِالْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مَنْ اتَّبَعَهُ ، بَلْ وَإِنَّ مُتَّبِعَهُ كَانَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ هُمْ بِالظَّنِّ ، وَتَعْبِيرُ فِي الْكَذِبِ لِإِرَادَتِهِمْ أَنَّهُ يَكْفِي فِي
[ ص: 436 ] وَصْفِهِ بِالسَّفَاهَةِ الَّتِي زَعَمُوهَا إِقْدَامُهُ عَلَى مَا يُحْتَمَلُ مَعَهُ ظَنُّهُمْ لِكَذِبِهِ ، أَوْ يَكُونُ قَوْلُهُ غَيْرَ الْحَقِّ - فِي زَعْمِهِمْ - مُرَدَّدًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ عَنْ تَعَمُّدٍ أَوْ حَمَلَهُ عَلَيْهِ مَا رَمَوْهُ بِهِ مِنَ السَّفَهِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ .