الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في صفة القراءة في الكسوف

                                                                                                          562 حدثنا محمود بن غيلان حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن الأسود بن قيس عن ثعلبة بن عباد عن سمرة بن جندب قال صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم في كسوف لا نسمع له صوتا قال وفي الباب عن عائشة قال أبو عيسى حديث سمرة حديث حسن صحيح وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا وهو قول الشافعي

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب كيف القراءة في الكسوف ) أي بالجهر أو بالسر .

                                                                                                          قوله : ( عن الأسود بن قيس ) العبدي ويقال العجلي الكوفي ، يكنى أبا قيس ثقة من الرابعة ( عن ثعلبة بن عباد ) بكسر العين المهملة وتخفيف الموحدة العبدي البصري مقبول كذا في التقريب . وقال الذهبي في الميزان : تابعي سمع سمرة وعنه الأسود بن قيس فقط بحديث الكسوف الطويل . قال ابن المديني : الأسود يروي عن مجاهيل ، وقال ابن حزم : ثعلبة مجهول ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( لا نسمع له صوتا ) قال القاري في المرقاة : هذا يدل على أن الإمام لا يجهر بالقراءة في صلاة الكسوف ، وبه قال أبو حنيفة وتبعه الشافعي وغيره . قال ابن الهمام : ويدل عليه أيضا حديث ابن عباس روى أحمد وأبو يعلى في مسنديهما عنه : صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم أسمع منه حرفا من القراءة ، ورواه أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال : صليت إلى جنب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم كسفت الشمس فلم أسمع له قراءة ، قال : ولهما رواية عن عائشة في الصحيحين قالت : جهر النبي -صلى الله عليه وسلم- في صلاة الخسوف بقراءته ، وللبخاري من حديث أسماء : جهر -عليه الصلاة والسلام- في صلاة الكسوف ، ورواه أبو داود والترمذي وحسنه وصححه ولفظه : صلى صلاة الكسوف فجهر فيها بالقراءة ، ثم قال : وإذا حصل التعارض وجب الترجيح بأن الأصل في صلاة النهار الإخفاء ، انتهى ما في المرقاة .

                                                                                                          قلت : أحاديث الجهر نصوص صريحة في الجهر ، وأما حديث الباب -أعني حديث سمرة - فهو ليس بنص في السر ونفي الجهر : قال الحافظ ابن تيمية في المنتقى : وهذا يحتمل أنه لم يسمعه لبعده ؛ لأن في رواية مبسوطة له : أتينا والمسجد قد امتلأ انتهى . وأما حديث ابن عباس بلفظ : صليت إلى جنب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلخ فهو لا يوازي أحاديث الجهر في الصحة ، فلا شك في أن حديث الجهر مقدم على حديث سمرة وحديث ابن عباس المذكورين ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                          [ ص: 119 ] قوله : ( وفي الباب عن عائشة ) أخرجه أبو داود وفيه : فصلى بالناس ، فحزرت قراءته فرأيت أنه قرأ سورة البقرة الحديث ، وفي سنده محمد بن إسحاق ، وقد تفرد هو بهذا اللفظ .

                                                                                                          قوله : ( حديث سمرة بن جندب حديث حسن صحيح ) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه بعضهم مطولا وبعضهم مختصرا ، وقد صححه ابن حبان والحاكم أيضا . قال الحافظ في التلخيص : وأعله ابن حزم بجهالة ثعلبة بن عباد راويه عن سمرة ، وقد قال ابن المديني : إنه مجهول ، وقد ذكره ابن حبان في الثقات مع أنه لا راوي له إلا الأسود بن قيس ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا ) أي إلى الإسرار بالقراءة في صلاة الكسوف ( وهو قول الشافعي ) وهو قول أبي حنيفة -رحمه الله- ومالك -رحمه الله- قال النووي في شرح مسلم : إن مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة -رحمه الله- والليث بن سعد وجمهور الفقهاء أنه يسر في كسوف الشمس ويجهر في خسوف القمر ، انتهى .

                                                                                                          وقال الحافظ في الفتح : قال الأئمة الثلاثة -يعني مالكا والشافعي وأبا حنيفة - : يسر في الشمس ويجهر في القمر ، انتهى . وقد عد الترمذي مالكا من القائلين بالجهر بالقراءة في صلاة الكسوف فلعل من الإمام مالك روايتين ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                          قال الحافظ في الفتح : واحتج الشافعي بقول ابن عباس قرأ نحوا من سورة البقرة ؛ لأنه لو جهر لم يحتج إلى تقدير ، وتعقب باحتمال أن يكون بعيدا منه ، لكن ذكر الشافعي تعليقا عن ابن عباس أنه صلى بجنب النبي -صلى الله عليه وسلم- في الكسوف فلم يسمع منه حرفا ، ووصله البيهقي من ثلاثة طرق أسانيدها واهية ، وعلى تقدير ثبوتها فمثبت الجهر معه قدر زائد فالأخذ به أولى ، وإن ثبت التعدد فيكون فعل ذلك لبيان الجواز ، وهكذا الجواب عن حديث سمرة عند أبي خزيمة والترمذي لم يسمع له صوتا أنه إن ثبت لا يدل على نفي الجهر .




                                                                                                          الخدمات العلمية