الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل - : والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا ؛ " الذين " ؛ في وضع رفع؛ المعنى : " ومنهم الذين اتخذوا مسجدا ضرارا " ؛ انتصب " ضرارا " ؛ مفعولا له؛ المعنى : " اتخذوه للضرار؛ والكفر؛ والتفريق؛ والإرصاد " ؛ فلما حذفت اللام أفضى الفعل فنصب؛ ويجوز أن يكون مصدرا محمولا على المعنى; لأن اتخاذهم المسجد على غير التقوى معناه : " ضاروا به ضرارا " ؛ وتفسير الآية أن قوما من منافقي الأنصار أرادوا أن يفرقوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من يصلي معه من المؤمنين؛ فاتخذوا مسجدا يقطعون به المؤمنين والنبي - صلى الله عليه وسلم - عن مسجد " قباء " ؛ وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل ؛ كان رجل يقال له : أبو عامر الراهب؛ حارب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومضى إلى هرقل؛ وكان أحد المنافقين؛ فقالوا : نبني هذا المسجد؛ وننتظر أبا عامر حتى يجيء؛ فيصلي فيه؛ فـ " الإرصاد " : الانتظار. [ ص: 469 ] واتخذوا هذا المسجد مضارة وكفرا؛ لأن عناد النبي - صلى الله عليه وسلم - كفر ؛ وأطلع الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - على طويتهم؛ وعلى أنهم سيحلفون كاذبين؛ فقال - جل وعز - : وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون ؛ وكانوا دعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ليصلي فيه؛ فأنزل الله - جل ثناؤه - : لا تقم فيه أبدا ؛ ثم بين الله - عز وجل - أي المسجدين أحق بالقيام فيه؛ فقال : لمسجد أسس على التقوى من أول يوم ؛ يعني به مسجد " قباء " ؛ أحق أن تقوم فيه ؛ و " أن " ؛ في موضع نصب؛ المعنى : " لمسجد أسس على التقوى أحق بأن تقوم فيه " ؛ فيه رجال يحبون أن يتطهروا ؛ يروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف بباب المسجد فقال : " إن الله أحسن عليكم الثناء في طهوركم؛ فبم تطهرون؟ " ؛ فقالوا : نغسل أثر الغائط بالماء؛ وهؤلاء قوم من الأنصار .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية