الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ثرا ]

                                                          ثرا : الثروة : كثرة العدد من الناس والمال . يقال : ثروة رجال وثروة مال والفروة كالثروة فاؤه بدل من الثاء . وفي الحديث : ما بعث الله نبيا بعد لوط إلا في ثروة من قومه ; الثروة : العدد الكثير ، وإنما خص لوطا لقوله : لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد . وثروة من رجال وثروة من مال أي كثير ; قال ابن مقبل :


                                                          وثروة من رجال لو رأيتهم لقلت إحدى حراج الجر من أقر     منا ببادية الأعراب كركرة
                                                          إلى كراكر بالأمصار والحضر

                                                          ويروى : وثورة من رجال . وقال ابن الأعرابي : يقال ثورة من رجال وثروة بمعنى عدد كثير ، وثروة من مال لا غير . ويقال : هذا مثراة للمال أي مكثرة . وفي حديث صلة الرحم : هي مثراة في المال منسأة في الأثر ; مثراة : مفعلة من الثراء الكثرة . والثراء : المال الكثير ; قال حاتم :


                                                          وقد علم الأقوام لو أن حاتما     أراد ثراء المال كان له وفر

                                                          والثراء : كثرة المال ; قال علقمة :


                                                          يردن ثراء المال حيث علمنه     وشرخ الشباب عندهن عجيب

                                                          أبو عمرو : ثرا الله القوم أي كثرهم . وثرا القوم ثراء : كثروا ونموا . وثرا وأثرى وأفرى : كثر ماله . وفي حديث إسماعيل - عليه السلام - : [ ص: 17 ] قال لأخيه إسحاق : إنك أثريت وأمشيت . أي كثر ثراؤك ، وهو المال ، وكثرت ماشيتك . الأصمعي : ثرا القوم يثرون إذا كثروا ونموا ، وأثروا يثرون إذا كثرت أموالهم . وقالوا : لا يثرينا العدو أي لا يكثر قوله فينا . وثرا المال نفسه يثرو إذا كثر . وثرونا القوم أي كنا أكثر منهم . والمال الثري ، مثل عم خفيف : الكثير . والمال الثري - على فعيل - : وهو الكثير . وفي حديث أم زرع : وأراح علي نعما ثريا ، أي كثيرا ; ومنه سمي الرجل ثروان ، والمرأة ثريا ، وهو تصغير ثروى . ابن سيده : مال ثري كثير . ورجل ثري وأثرى : كثير المال . والثري : الكثير العدد ; قال المأثور المحاربي جاهلي :


                                                          فقد كنت يغشاك الثري ويتقي     أذاك ويرجو نفعك المتضعضع

                                                          وأنشد ابن بري لآخر :


                                                          ستمنعني منهم رماح ثرية     وغلصمة تزور منها الغلاصم

                                                          وأثرى الرجل : كثرت أمواله ; قال الكميت يمدح بني أمية :


                                                          لكم مسجدا الله المزوران والحصى     لكم قبصه من بين أثرى وأقترا

                                                          أراد : من بين من أثرى ومن أقتر أي من بين مثر ومقتر . ويقال : ثري الرجل يثرى ثرا وثراء - ممدود - وهو ثري إذا كثر ماله ، وكذلك أثرى فهو مثر . ابن السكيت : يقال : إنه لذو ثراء وثروة ، يراد إنه لذو عدد وكثرة مال . وأثرى الرجل وهو فوق الاستغناء . ابن الأعرابي : إن فلانا لقريب الثرى بعيد النبط للذي يعد ولا وفاء له . وثريت بفلان فأنا به ثر وثريء وثري أي غني عن الناس به . والثرى : التراب الندي ، وقيل : هو التراب الذي إذا بل يصر طينا لازبا . وقوله - عز وجل - : وما تحت الثرى ; جاء في التفسير : أنه ما تحت الأرض ، وتثنيته ثريان وثروان ; الأخيرة عن اللحياني ، والجمع أثراء . وثرى مثري : بالغوا بلفظ المفعول كما بالغوا بلفظ الفاعل ، قال ابن سيده : وإنما قلنا هذا لأنه لا فعل له فنحمل مثريه عليه . وثريت الأرض ثرى فهي ثرية : نديت ولانت بعد الجدوبة واليبس ، وأثرت : كثر ثراها . وأثرى المطر : بل الثرى . وفي الحديث : فإذا كلب يأكل الثرى من العطش ، أي التراب الندي . وقال أبو حنيفة : أرض ثرية إذا اعتدل ثراها ، فإذا أردت أنها اعتقدت ثرى قلت : أثرت . وأرض ثرية وثرياء أي ذات ثرى وندى . وثرى فلان التراب والسويق إذا بله . ويقال : ثر هذا المكان ثم قف عليه أي بله . وأرض مثرية إذا لم يجف ترابها . وفي الحديث : فأتي بالسويق فأمر به فثري ، أي بل بالماء . وفي حديث علي - عليه السلام - : أنا أعلم بجعفر أنه إن علم ثراه مرة واحدة ثم أطعمه . أي بله وأطعمه الناس . وفي حديث خبز الشعير : فيطير منه ما طار وما بقي ثريناه . وثريت بفلان فأنا ثري به ، أي غني عن الناس به ، وروي عن جرير أنه قال : إني لأكره الرحى مخافة أن تستفرعني ، وإني لأراه كآثار الخيل في اليوم الثري . أبو عبيد : الثرياء على فعلاء الثرى ; وأنشد :


                                                          لم يبق هذا الدهر من ثريائه     غير أثافيه وأرمدائه

                                                          وأما حديث ابن عمر : أنه كان يقعي ويثري في الصلاة ، فمعناه أنه كان يضع يديه بالأرض بين السجدتين ، فلا تفارقان الأرض حتى يعيد السجود الثاني ، وهو من الثرى التراب ; لأنهم أكثر ما كانوا يصلون على وجه الأرض بغير حاجز ، وهكذا يفعل من أقعى ; قال أبو منصور : وكان ابن عمر يفعل هذا حين كبرت سنه في تطوعه ، والسنة رفع اليدين عن الأرض بين السجدتين . وثرى التربة : بلها . وثريت الموضع تثرية إذا رششته بالماء . وثرى الأقط والسويق : صب عليه ماء ثم لته به . وكل ما نديته فقد ثريته . والثرى : الندى . وفي حديث موسى والخضر - عليهما السلام - : فبينا هو في مكان ثريان ; يقال : مكان ثريان وأرض ثريا ، إذا كان في ترابها بلل وندى . والتقى الثريان : وذلك أن يجيء المطر فيرسخ في الأرض حتى يلتقي هو وندى الأرض . وقال ابن الأعرابي : لبس رجل فروا دون قميص فقيل التقى الثريان ، يعني شعر العانة ووبر الفرو . وبدا ثرى الماء من الفرس : وذلك حين يندى بالعرق ; قال طفيل الغنوي :


                                                          يذدن ذياد الخامسات وقد بدا     ثرى الماء من أعطافها المتحلب

                                                          يريد العرق . ويقال : إني لأرى ثرى الغضب في وجه فلان أي أثره ; قال الشاعر :


                                                          وإني لتراك الضغينة قد أرى     ثراها من المولى ولا أستثيرها

                                                          ويقال : ثريت بك أي فرحت بك وسررت . ويقال : ثريت بك - بكسر الثاء - أي كثرت بك ، قال كثير :


                                                          وإني لأكمي الناس ما تعدينني     من البخل أن يثرى بذلك كاشح

                                                          أي يفرح بذلك ويشمت ; وهذا البيت أورده ابن بري :


                                                          وإني لأكمي الناس ما أنا مضمر     مخافة أن يثرى بذلك كاشح

                                                          ابن السكيت : ثري بذلك يثرى به إذا فرح وسر . وقولهم : ما بيني وبين فلان مثر أي أنه لم ينقطع ، وهو مثل ، وأصل ذلك أن يقول لم ييبس الثرى بيني وبينه ، كما قال - عليه السلام - : بلوا أرحامكم ولو بالسلام ; قال جرير :


                                                          فلا توبسوا بيني وبينكم الثرى     فإن الذي بيني وبينكم مثري

                                                          والعرب تقول : شهر ثرى ، وشهر ترى ، وشهر مرعى ، وشهر استوى ، أي تمطر أولا ثم يطلع النبات فتراه ثم يطول فترعاه النعم ، وهو في المحكم ، فأما قولهم : ثرى فهو أول ما يكون المطر فيرسخ في الأرض ، وتبتل التربة وتلين فهذا معنى قولهم : ثرى ، والمعنى شهر ذو ثرى ، فحذفوا المضاف ، وقولهم : وشهر ترى ، أي أن النبت ينقف فيه حتى ترى رءوسه ، فأرادوا شهرا ترى فيه رءوس النبات فحذفوا ، وهو من باب [ ص: 18 ] كله لم أصنع ، وأما قولهم : مرعى ، فهو إذا طال بقدر ما يمكن النعم أن ترعاه ثم يستوي النبات ويكتهل في الرابع فذلك وجه قولهم استوى . وفلان قريب الثرى أي الخير . والثروان : الغزير ، وبه سمي الرجل ثروان ، والمرأة ثريا ، وهي تصغير ثروى . والثريا : من الكواكب ، سميت لغزارة نوئها ، وقيل : سميت بذلك لكثرة كواكبها مع صغر مرآتها ، فكأنها كثيرة العدد بالإضافة إلى ضيق المحل ، لا يتكلم به إلا مصغرا وهو تصغير على جهة التكبير . وفي الحديث : أنه قال للعباس يملك من ولدك بعدد الثريا ; الثريا : النجم المعروف . ويقال : إن خلال أنجم الثريا الظاهرة كواكب خفية كثيرة العدد ، والثروة : ليلة يلتقي القمر والثريا . والثريا من السرج : على التشبيه بالثريا من النجوم . والثريا : اسم امرأة من أمية الصغرى شبب بها عمر بن أبي ربيعة . والثريا : ماء معروف . وأبو ثروان : رجل من رواة الشعر . وأثرى : اسم موضع ; قال الأغلب العجلي :


                                                          فما ترب أثرى لو جمعت ترابها     بأكثر من حيي نزار على العد

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية