الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون

                                                                                                                                                                                                                                      وإلى عاد متعلق بمضمر معطوف على قوله تعالى : " أرسلنا " في قصة نوح عليه السلام .

                                                                                                                                                                                                                                      وهو الناصب لقوله تعالى : أخاهم ; أي : وأرسلنا إلى عاد أخاهم ; أي : واحدا منهم في النسب لا في الدين ، كقولهم : يا أخا العرب .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : العامل فيهما الفعل المذكور فيما سبق ، وأخاهم معطوف على نوحا ، والأول هو الأولى ، وأيا ما كان فلعل تقديم المجرور ههنا على المفعول الصريح ; للحذار عن الإضمار قبل الذكر ، يرشدك إلى ذلك ما سيأتي من قوله تعالى : " ولوطا ... " إلخ ; فإن قومه لما لم يعهدوا باسم معروف يقتضي الحال ذكره عليه السلام مضافا إليهم ، كما في قصة عاد ، وثمود ، ومدين ، خولف في النظم الكريم بين قصته عليه السلام وبين القصص الثلاث .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : هودا عطف بيان لأخاهم ، وهو هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود ابن عاد بن عوص ابن أرم بن سام بن نوح عليه السلام . وقيل : هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن عم أبي عاد . وإنما جعل منهم ; لأنهم أفهم لكلامه وأعرف بحاله في صدقه وأمانته ، وأقرب إلى اتباعه .

                                                                                                                                                                                                                                      قال استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية إرساله عليه السلام إليهم ، كأنه قيل : فماذا قال لهم ؟ فقيل : قال .

                                                                                                                                                                                                                                      قال يا قوم اعبدوا الله ; أي : وحدوه ، كما يعرب عنه قوله : ما لكم من إله غيره فإنه استئناف جار مجرى البيان للعبادة المأمور بها ، والتعليل لها أو للأمر بها ، كأنه قيل : خصوه بالعبادة ولا تشركوا به شيئا ; إذ ليس لكم إله سواه . و" غيره " بالرفع صفة لإله باعتبار محله ، وقرئ بالجر حملا له على لفظه .

                                                                                                                                                                                                                                      أفلا تتقون إنكار واستبعاد لعدم اتقائهم عذاب الله تعالى بعد ما علموا ما حل بقوم نوح .

                                                                                                                                                                                                                                      والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام ; أي : ألا تتفكرون ، أو أتغفلون ، فلا تتقون ; فالتوبيخ على المعطوفين معا ، أو أتعلمون ذلك فلا تتقون ، فالتوبيخ على المعطوف فقط .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي سورة هود : أفلا تعقلون ، ولعله عليه السلام خاطبهم بكل منهما ، وقد اكتفي بحكاية كل منهما في موطن عن حكايته في موطن آخر ، كما لم يذكر ههنا ما ذكر هناك من قوله تعالى : إن أنتم إلا مفترون ، وقس على ذلك حال بقية ما ذكر وما لم يذكر من أجزاء القصة ، بل [ ص: 238 ] حال نظائره في سائر القصص ، لا سيما في المحاورات الجارية في الأوقات المتعددة ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية