الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        381 - الحديث الثالث : عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه قالت { نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه } وفي رواية { ونحن بالمدينة . }

                                        382 - الحديث الرابع : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما [ ص: 664 ] { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل . }

                                        383 - ولمسلم وحده قال { أكلنا زمن خيبر الخيل وحمر الوحش ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمار الأهلي } .

                                        التالي السابق


                                        يستدل بهذين الحديثين من يرى جواز أكل الخيل

                                        وهو مذهب الشافعي وغيره وكرهه مالك وأبو حنيفة واختلف أصحاب أبي حنيفة : هل هي كراهة تنزيه ، أو كراهة تحريم ؟ والصحيح عندهم : أنها كراهة تحريم ، واعتذر بعضهم عن هذا الحديث - أعني بعض الحنفية - بأن قال : فعل الصحابي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يكون حجة إذا علمه النبي صلى الله عليه وسلم . وفيه شك على أنه معارض بقول بعض الصحابة " إن النبي صلى الله عليه وسلم حرم لحوم الخيل " ثم إن سلم عن المعارض ، ولكن لا يصح التعلق به في مقابلة دلالة النص .

                                        وهذا إشارة إلى ثلاثة أجوبة : فأما الأول : فإنما يرد على هذه الرواية والرواية الأخرى لجابر . وأما الرواية التي فيها " وأذن في لحوم الخيل " فلا يرد عليها التعلق .

                                        وأما الثاني " وهو المعارضة بحديث التحريم - فإنما نعرفه بلفظ النهي ، لا بلفظ التحريم ، من حديث خالد بن الوليد وفي ذلك الحديث كلام ينقض به عن مقاومة هذا الحديث عند بعضهم . وأما الثالث : فإنما أراد بدلالة الكتاب قوله تعالى { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } ووجه الاستدلال : أن الآية خرجت [ ص: 665 ] مخرج الامتنان بذكر النعم ، على ما دل عليه سياق الآيات التي في سورة النحل فذكر الله تعالى الامتنان بنعمة الركوب والزينة في الخيل والبغال والحمير ، وترك الامتنان بنعمة الأكل ، كما ذكر في الأنعام ، ولو كان الأكل ثابتا لما ترك الامتنان به ; لأن نعمة الأكل في جنسها فوق نعمة الركوب والزينة ، فإنه يتعلق بها البقاء بغير واسطة ، ولا يحسن ترك الامتنان بأعلى النعمتين وذكر الامتنان بأدناهما ، فدل ترك الامتنان بالأكل على المنع منه ولا سيما وقد ذكرت نعمة الأكل في نظائرها من الأنعام ، وهذا - وإن كان استدلالا حسنا - إلا أنه يجاب عنه من وجهين :

                                        أحدهما : ترجيح دلالة الحديث على الإباحة على هذا الوجه من الاستدلال من حيث قوته بالنسبة إلى تلك الدلالة .

                                        الثاني : أن يطالب بوجه الدلالة على عين التحريم فإنما يشعر بترك الأكل ، وترك الأكل : أعم من كونه متروكا على سبيل الحرمة ، أو على سبيل الكراهة . وفي الحديث دليل من حيث ظاهر اللفظ في هذه الرواية : على جواز النحر للخيل .

                                        وقوله " ونهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخره " يستدل به من يرى تحريم الحمر الأهلية ، لظاهر النهي ، وفيه خلاف لبعض العلماء بالكراهة المغلظة ، وفيه احتراز عن الحمار الوحشي .




                                        الخدمات العلمية