الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          الخامس : الطيب فيحرم عليه تطييب بدنه وثيابه وشم الأدهان المطيبة ، والادهان بها ، وشم المسك ، والكافور ، والعنبر ، والزعفران ، والورس ، وأكل ما فيه طيب ، يظهر طعمه أو ريحه ، وإن مس من الطيب ما لا يعلق بيده ، فلا فدية عليه . وله شم العود والفواكه والشيح والخزامى ، وفي شم الريحان والنرجس والورد والبنفسج والبرم ونحوها ، والادهان بدهن غير مطيب في رأسه روايتان وإن جلس عند العطار أو في موضع ليشم الطيب فشمه ، فعليه الفدية ، وإلا فلا .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل ( الخامس : الطيب ) فيحرم إجماعا لأمره - عليه السلام - يعلى بن أمية بغسله [ ص: 146 ] وقال في " المحرم " الذي وقصته راحلته ، " ولا تحنطوه . متفق عليهما .

                                                                                                                          ولمسلم ، ولا تمسوه بطيب ، وإذا منع المحرم الميت من الطيب مع استحبابه له فالمحرم الحي أولى ( فيحرم عليه تطييب بدنه ) أو شيئا منه ، نص عليه ، ( وثيابه ) لحديث ابن عمر ، ولأنه يعد مطيبا لكل واحد منهما ، ( وشم الأدهان المطيبة ) كدهن الورد ، والبنفسج ، ونحوهما ، ( والادهان بها ) ; لأنها تقصد رائحتها ، وتتخذ للطيب أشبه ماء الورد ، ( وشم المسك والكافور والعنبر والزعفران والورس ) ; لأنها هكذا تستعمل ، وكذا التبخر بالعود ، والند ; لأنه استعمله على وجه التطيب ، ( وأكل ما فيه طيب ) كمسك ، ونحوه ( يظهر طعمه ) ; لأن الطعم يستلزم الرائحة .

                                                                                                                          وقيل : لا فدية لبقاء لونه ، ولو لم تمسه النار ( أو ريحه ) ; لأنها المقصود منه . وظاهره ، ولو طبخ أو مسه نار لبقاء المقصود منه ، وليس هذا خاصا بالمأكول بل المشروب كذلك ; لأنه يحرم تناول الطيب كالاكتحال ، ونحوه ; لأنه استعمال للطيب أشبه شمه ، ومتى فعل شيئا من ذلك لزمه الفدية ; لأنه فعل ما حرمه الإحرام كاللباس .

                                                                                                                          مسألة : للمشتري حمله وتقليبه إن لم يمسه ، ذكره جماعة لو ظهر ريحه ; لأنه لم يقصد للتطيب ، ولا يمكن الاحتراز منه قال في " الفروع " : ويتوجه : ولو علق بيده لعدم القصد ، ولحاجة التجارة ، وقال ابن عقيل : إن حمله مع ظهور ريحه لم يجز ، وإلا جاز ، ( وإن مس من الطيب ما لا يعلق بيده ) كالمسك غير المسحوق ، وقطع الكافور ، والعنبر ( فلا فدية عليه ) لأنه غير مستعمل للطيب ، وشمه سبق . وظاهره أنه إذا علق بيده كالغالية ، والمسك ، والمسحوق ، عليه الفدية ; لأنه مستعمل للطيب ( وله شم العود ) ; لأن المقصود منه التبخير [ ص: 147 ] ( والفواكه ) كلها كالأترج ، والتفاح ، والسفرجل ، ونحوه ، ( والشيح والخزامى ) من نبات الصحراء ، وكذا ما ينبته آدمي لغير قصد الطيب كحناء ، وعصفر ; لأنه ليس بطيب ، ولا يتخذ منه طيب ، ولا يسمى متطيبا عادة ، وكذا له شم قرنفل ودارصيني ونحوهما ، ( وفي شم الريحان ) هذا شروع في بيان حكم ما ينبته الآدمي لقصد شمه ، ولا يتخذ منه طيب كريحان فارسي ، ومحل الخلاف فيه ، وهو معروف بالشام ومكة والعراق ، وأما عند العرب فالريحان هو الآس ، ولا فدية في شمه قطعا ، ( والنرجس ) وهو أعجمي معرب ( والبنفسج ) وهو معرب أيضا ، ( والورد والبرم ) بفتح الباء والراء هو العضاه ، الواحد برمة ( ونحوها ) كنمام ، ومرزجوش ، وفي ذلك روايتان . إحداهما : يباح ، اختاره أكثر الأصحاب ، وهو قول عثمان ، وابن عباس ; لأنه إذا يبس ذهبت رائحته أشبه نبت البرمة .

                                                                                                                          فعليها : لا فدية فيه لإباحته ، والثانية : يحرم لقول جابر لا يشمه . رواه الشافعي ، وكرهه ابن عمر قاله أحمد ; لأنه يتخذ للطيب كالورد فحينئذ تجب الفدية ، ولكن ما ينبته الآدمي تارة يتخذ منه طيب كالورد ، والبنفسج ، والياسمين ، وهو الذي يتخذ منه الزئبق فالأشهر : يحرم ويفدي ، اختاره القاضي ، والمؤلف ، وغيرهما ، كماء الورد ، وتارة لا يتخذ منه طيب ، كالريحان فاختار الأكثر إباحته ، وماء الريحان كهو . وفي " الفصول " احتمال بالمنع كماء ورد ، وقيل : عكسه ( والادهان بدهن غير مطيب ) كزيت ، وسيرج ( في رأسه روايتان ) أنصهما : له فعله ، قدمه في " المحرر " و " الفروع " لأنه - عليه السلام - فعله . رواه أحمد والترمذي وغيرهما ، من حديث ابن عمر من رواية فرقد السبخي ، وهو ضعيف وذكره البخاري عن ابن عباس لعدم الدليل ، والثانية المنع ، ويفدي ، ذكر القاضي : أنها اختيار الخرقي ، كالمطيب [ ص: 148 ] ولأنهما أصل الأدهان ، ولم يكتسب الدهن إلا الرائحة ، ولا أثر لها منفردة ، ومنع القاضي ذلك ، وهو واضح ، ولأنه يزيل الشعث ، ويسكن الشعر . وظاهره أنه لا يمنع من الادهان به في بقية بدنه ، صرح به في " المغني " وقال في " الشرح " : لا نعلم عن أحمد فيه منعا ، وحكى ابن المنذر أن عوام أهل العلم أجمعوا على أن للمحرم أن يدهن بدنه بشحم وزيت وسمن ، وإنما خص الرأس ; لأنه محل الشعر بالوجه كذلك فلهذا قال بعض أصحابنا : هما في دهن شعره ، وذكر القاضي في " تعليقه " وأبو الخطاب ، وصاحب " التلخيص " و " الكافي " فيه أن الخلاف جار في دهن بدنه ، كرأسه ; لأنه مثله .

                                                                                                                          تنبيه : يقدم غسل طيب على نجاسة يتيمم لها ، ولا يحرم دلالة على طيب ، ولباس ذكره القاضي ، وابن شهاب لعدم ضمانه بالسبب ، ولا يتعلق بهما حكم مختص بخلاف الدلالة على الصيد فإنه يتعلق به حكم مختص ، وهو تحريم الأكل والإثم ( وإن جلس عند العطار أو في موضع ) كقصد الكعبة حال تجميرها أو حمل معه عقدة فيها مسك ليجد ريحها ( ليشم الطيب فشمه فعليه الفدية ) ، نص عليه ; لأنه شمه قاصدا فحرم كما لو باشره ، وقال ابن حامد : يباح ، والأول أشهر ، ( وإلا فلا ) أي : لا شيء عليه إذا جلس عند العطار لحاجته أو دخل الكعبة للتبرك بها ، وإذا اشتراه كما سبق ; لأنه لا يمكن الاحتراز منه .




                                                                                                                          الخدمات العلمية