الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض ؛ لفظ " ألم " ؛ ههنا؛ لفظ استفهام؛ ومعناه التوقيف؛ وجزم " ألم " ؛ ههنا؛ كجزم " لم " ؛ لأن حرف الاستفهام لا يغير العامل عن عمله؛ ومعنى " الملك " ؛ في اللغة: تمام القدرة؛ واستحكامها؛ فما كان مما يقال فيه: " ملك " ؛ سمي " الملك " ؛ وما نالته القدرة مما يقال فيه: " مالك " ؛ فهو " ملك " ؛ تقول: " ملكت الشيء؛ أملكه؛ ملكا " ؛ وكقوله (تعالى): على ملك سليمان ؛ أي: في سلطانه؛ وقدرته؛ وأصل هذا من قولهم: " ملكت العجين؛ أملكه " ؛ إذا بالغت في عجنه؛ ومن هذا قيل في التزويج: " شهدنا إملاك فلان " ؛ أي: شهدنا عقد أمر نكاحه؛ وتشديده؛ ومعنى الآية: إن الله يملك السماوات والأرض ومن فيهن؛ فهو أعلم بوجه الصلاح فيما يتعبدهم به من ناسخ؛ ومنسوخ؛ ومتروك؛ وغيره. وقوله - عز وجل -: وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ؛ هذا خطاب للمسلمين؛ يخبرون فيه أن من خالفهم فهو عليهم؛ وأن الله - جل وعز - ناصرهم؛ والفائدة فيه أنه بنصره إياهم يغلبون من سواهم. [ ص: 192 ] وقوله - عز وجل -: أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ؛ أجود القراءة بتحقيق الهمزة؛ ويجوز جعلها بين بين؛ يكون بين الهمزة والياء فيلفظ بها: " سيل " ؛ وهذا إنما تحكمه المشافهة؛ لأن الكتاب فيه غير فاصل بين المتحقق والملين؛ وما جعل ياء خالصة؛ ويجوز: " كما سيل موسى من قبل " ؛ من قولك: " سلت؛ أسال " ؛ في معنى " سئلت؛ أسأل " ؛ وهي لغة للعرب حجاها جميع النحويين؛ ولكن القراءة على الوجهين اللذين شرحناهما قبل هذا الوجه من تحقيق الهمزة؛ وتليينها؛ ومعنى " أم " ؛ ههنا؛ وفي كل مكان لا تقع فيه عطفا على ألف الاستفهام - إلا أنها لا تكون مبتدأة - أنها تؤذن بمعنى " بل " ؛ ومعنى ألف الاستفهام؛ المعنى: " بل أتريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل " ؛ فمعنى الآية أنهم نهوا أن يسألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لا خير لهم في السؤال عنه؛ وما يكفرهم؛ وإنما خوطبوا بهذا بعد وضوح البراهين لهم؛ وإقامتها على مخالفتهم؛ وقد شرحنا ذلك في قوله: فتمنوا الموت ؛ وما أشبه ذلك مما تقدم شرحه؛ فأعلم المسلمون أن السؤال بعد قيام البراهين كفر؛ كما قال - عز وجل -: يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم [ ص: 193 ] وقوله: ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل ؛ أي: من يسأل عما لا يعنيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وضوح الحق؛ فقد ضل سواء السبيل؛ أي: قصد السبيل.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية