الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 120 ) مسألة : قال : وغسل اليدين إذا قام من نوم الليل قبل أن يدخلهما الإناء ثلاثا . غسل اليدين في أول الوضوء مسنون في الجملة ، سواء قام من النوم أو لم يقم ; لأنها التي تغمس في الإناء وتنقل الوضوء إلى الأعضاء ، ففي غسلهما إحراز لجميع الوضوء ، { وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله ، فإن عثمان رضي الله عنه وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : دعا بالماء فأفرغ على كفيه ثلاث مرات ، فغسلهما ، ثم أدخل يده في الإناء . } متفق عليه .

                                                                                                                                            وكذلك وصف علي وعبد الله بن زيد ، وغيرهما ، وليس ذلك بواجب عند غير القيام من النوم ، بغير خلاف نعلمه ، فأما عند القيام من نوم الليل ، فاختلفت الرواية في وجوبه ; فروي عن أحمد وجوبه ، [ ص: 71 ] وهو الظاهر عنه ، واختيار أبي بكر وهو مذهب ابن عمر وأبي هريرة والحسن البصري لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء ثلاثا ; فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده } . متفق عليه . وفي لفظ لمسلم : " فلا يغمس يده في وضوء حتى يغسلها ثلاثا " .

                                                                                                                                            وأمره يقتضي الوجوب ، ونهيه يقتضي التحريم . وروي أن ذلك مستحب ، وليس بواجب . وبه قال عطاء ومالك والأوزاعي ، والشافعي ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي ، وابن المنذر ; لأن الله تعالى قال : { : إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } . الآية .

                                                                                                                                            قال زيد بن أسلم في تفسيرها : إذا قمتم من نوم . ولأن القيام من النوم داخل في عموم الآية ، وقد أمره بالوضوء من غير غسل الكفين في أوله ، والأمر بالشيء يقتضي حصول الإجزاء به ; ولأنه قائم من نوم ، فأشبه القائم من نوم النهار ، والحديث محمول على الاستحباب ، لتعليله بما يقتضي ذلك ، وهو قوله : { فإنه لا يدري أين باتت يده } وطريان الشك على يقين الطهارة لا يؤثر فيها ، كما لو تيقن الطهارة وشك في الحدث ، فيدل ذلك على أنه أراد الندب . ( 121 ) فصل : ولا تختلف الرواية في أنه لا يجب غسلهما من نوم النهار ، وسوى الحسن بين نوم الليل ونوم النهار في الوجوب ; لعموم قوله : ( إذا قام أحدكم من نومه ) .

                                                                                                                                            ولنا أن في الخبر ما يدل على إرادة نوم الليل ; لقوله : ( فإنه لا يدري أين باتت يده ) ، والمبيت يكون بالليل خاصة ، ولا يصح قياس غيره عليه لوجهين : أحدهما أن الحكم ثبت تعبدا ، فلا يصح تعديته .

                                                                                                                                            الثاني أن الليل مظنة النوم والاستغراق فيه وطول مدته ، فاحتمال إصابة يده لنجاسة لا يشعر بها أكثر من احتمال ذلك في نوم النهار . قال أحمد في رواية الأثرم : الحديث في المبيت بالليل ، فأما النهار فلا بأس به .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية