الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير له ما في السماوات وما في الأرض وإن الله لهو الغني الحميد ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم

قوله تعالى: "ألم تر" تنبيه وبعده خبر أن الله أنزل من السماء ماء فظلت الأرض تخضر عنه. وقوله: "فتصبح" بمنزلة قوله: فتضحي أو فتصير، عبارة عن استعجالها إثر نزول الماء واستمرارها كذلك عادة، ورفع قوله: "فتصبح" من حيث [ ص: 269 ] الآية خبر، والفاء عاطفة وليست بجواب لأن كونها جوابا لقوله: "ألم تر" فاسد المعنى، وروي عن عكرمة أنه قال: هذا لا يكون إلا بمكة أو تهامة .

قال القاضي أبو محمد -رحمه الله:

ومعنى هذا أنه أخذ قوله: "فتصبح" مقصودا به صباح ليلة المطر، وذهب إلى أن ذلك الاخضرار في سائر البلاد يتأخر.

قال القاضي أبو محمد -رحمه الله-:

وقد شاهدت هذا في السوس الأقصى، نزل المطر بعد قحط وأصبحت تلك الأرض الرملة التي نسفتها الرياح؛ قد اخضرت بنبات ضعيف دقيق. وقرأ الجمهور: "مخضرة"، وقرأت فرقة: "مخضرة". و"اللطيف": المحكم للأمور برفق، واللام في "له" لام الملك، و"الغني" الذي لا حاجة به إلى شيء، هكذا هو على الإطلاق.

وقوله تعالى: سخر لكم ما في الأرض يريد: من الحيوان والمعادن وسائر المرافق، وقرأ الجمهور : "والفلك" بالنصب، وذلك يحتمل وجهين من الإعراب: أحدهما: أن يكون عطفا على "ما" بتقدير: وسخر الفلك، والآخر أن يكون عطفا على المكتوبة، بتقدير: وأن الفلك، وقوله: "تجري" على الإعراب الأول في موضع [ ص: 270 ] الحال، وعلى الإعراب الثاني في موضع الخبر. وقرأت فرقة: "والفلك" بالرفع، فـ"تجري" خبر على هذه القراءة.

وقوله تعالى: "إلا بإذنه" يحتمل أن يريد يوم القيامة، كأن طي السماء ونقص هذه الهيئة كوقوعها، ويحتمل أن يريد بذلك الوعيد لهم في أنه إن أذن في سقوط السماء عليكم سقطت، ويحتمل أن يعود قوله: "إلا بإذنه" على "الإمساك"; لأن الكلام يقتضي: بغير عمد ونحوه فكأنه أراد: إلا بإذنه فبه نمسكها. وباقي الآية بين.

التالي السابق


الخدمات العلمية