الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم في نكاح الشغار ، والمحلل ، والمتعة ، ونكاح المحرم ، ونكاح الزانية

أما الشغار ، فصح النهي عنه من حديث ابن عمر وأبي هريرة ومعاوية . وفي " صحيح مسلم " : عن ابن عمر مرفوعا ( لا شغار في الإسلام ) . وفي حديث ابن عمر ( والشغار : أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق ) .

[ ص: 99 ] وفي حديث أبي هريرة : ( والشغار : أن يقول الرجل للرجل : زوجني ابنتك ، وأزوجك ابنتي ، أو زوجني أختك ، وأزوجك أختي ) .

وفي حديث معاوية : أن العباس بن عبد الله بن عباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته ، وأنكحه عبد الرحمن ابنته ، وكانا جعلا صداقا ، فكتب معاوية رضي الله عنه إلى مروان يأمره بالتفريق بينهما ، وقال : ( هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .

فاختلف الفقهاء في ذلك ، فقال الإمام أحمد : الشغار الباطل أن يزوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته ولا مهر بينهما على حديث ابن عمر ، فإن سموا مع ذلك مهرا صح العقد بالمسمى عنده . وقال الخرقي : لا يصح ولو سموا مهرا على حديث معاوية . وقال أبو البركات ابن تيمية وغيره من أصحاب أحمد : إن سموا مهرا ، وقالوا : مع ذلك بضع كل واحدة مهر الأخرى لم يصح ، وإن لم يقولوا ذلك صح .

واختلف في علة النهي ، فقيل : هي جعل كل واحد من العقدين شرطا في الآخر ، وقيل : العلة التشريك في البضع ، وجعل بضع كل واحدة مهرا للأخرى وهي لا تنتفع به ، فلم يرجع إليها المهر بل عاد المهر إلى الولي وهو ملكه لبضع زوجته بتمليكه لبضع موليته ، وهذا ظلم لكل واحدة من المرأتين ، وإخلاء لنكاحهما عن مهر تنتفع به ، وهذا هو الموافق للغة العرب ، فإنهم يقولون : بلد شاغر من أمير ، ودار شاغرة من أهلها : إذا خلت ، وشغر الكلب : إذا رفع رجله وأخلى مكانها . فإذا سموا مهرا مع ذلك زال المحذور ، ولم يبق إلا اشتراط كل [ ص: 100 ] واحد على الآخر شرطا لا يؤثر في فساد العقد ، فهذا منصوص أحمد .

وأما من فرق ، فقال : إن قالوا مع التسمية : إن بضع كل واحدة مهر للأخرى فسد ؛ لأنها لم يرجع إليها مهرها وصار بضعها لغير المستحق ، وإن لم يقولوا ذلك صح ، والذي يجيء على أصله أنهم متى عقدوا على ذلك وإن لم يقولوه بألسنتهم أنه لا يصح ؛ لأن القصود في العقود معتبرة ، والمشروط عرفا كالمشروط لفظا فيبطل العقد بشرط ذلك ، والتواطؤ عليه ونيته ، فإن سمى لكل واحدة مهر مثلها صح ، وبهذا تظهر حكمة النهي واتفاق الأحاديث في هذا الباب .

التالي السابق


الخدمات العلمية