الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما للظالمين من نصير وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير

لما أخبر الله -تعالى- في الآية قبلها أنه يحكم بين الناس يوم القيامة فيما اختلفوا فيه؛ أتبع ذلك الخبر بأن عنده علم كل شيء ليقع الحكم في معلوم، فخرجت العبارة على طريق التشبيه على علم الله -تعالى- وإحاطته، وأن ذلك كله في كتاب وهو اللوح المحفوظ.

وقوله تعالى: إن ذلك على الله يسير يحتمل أن تكون الإشارة إلى كون ذلك [ ص: 272 ] في كتاب وكونه معلوما، ويحتمل أن تكون الإشارة إلى الحكم في الاختلاف.

ثم ذكر تعالى -على جهة التوبيخ- فعل الكفرة في أنهم يعبدون من الأصنام من دون الله ما لم ينزل الله فيه حجة ولا برهانا، و"السلطان": الحجة حيث وقع في القرآن الكريم. وقوله تعالى: وما للظالمين من نصير توعد.

والضمير في "عليهم" عائد على كفار قريش ، والمعنى أنهم كانوا إذا سمعوا القرآن من النبي -صلى الله عليه وسلم- أو من أحد أصحابه، وسمعوا ما فيه من رفض آلهتهم والدعاء إلى التوحيد، عرفت المساءة في وجوههم، و"المنكر" من معتقدهم وعداوتهم وأنهم يدبرون ويسرعون إلى السطوة بالتالي، والمعنى أنهم يكادون يسطون دهرهم أجمع، وأما في الشاذ من الأوقات فقد يسطى بالتالين نحو ما فعل بعبد الله بن مسعود وبالنبي -صلى الله عليه وسلم- حين أغاثه وحل الأمر أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وبعمر -رضي الله عنه- حين أجاره العاصي بن وائل ، وأبي ذر -رضي الله عنه- وغير ذلك.و"السطو" إيقاع بمباطشة أو أمر بها.

ثم أمر الله -تعالى- نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يقول لهم على جهة التوعد والتقريع: أأنبئكم، أي: أخبركم بشر من ذلكم، والإشارة ب "ذلكم" إلى السطو، ثم ابتدأ ينبئ، كأن قائلا قال له: وما هو؟ قال النار، أي: نار جهنم، وقوله تعالى: وعدها الله الذين كفروا يحتمل أن يكون أراد أن الله وعدهم بالنار، فيكون الوعد بالشر ونحو ذلك لما نص عليه، ولم يجئ مطلقا، ويحتمل أن يكون أراد أن الله تعالى وعد النار بأن يطعمها الكفار، فيكون الوعد على بابه الذي يقتضيه تسرعها إلى الكفار وقولها: هل من مزيد [ق: 30] ونحو ذلك من مساوئها، و"المصير" مفعل من "صار" على تحول من حال إلى حال.

قال القاضي أبو محمد -رحمه الله-:

ويقتضي كلام الطبري في هذه الآية أن الإشارة بـ "ذلكم" هي إلى أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- التالين، ثم قال: ألا أخبركم بأكره إليكم من هؤلاء أنتم الذين وعدتم النار، وأسند نحو هذا القول إلى قائل لم يسمه، وهذا كله ضعيف.

[ ص: 273 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية