الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون

                                                                                                                                                                                                                                      أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم الكلام فيه كالذي مر في قصة نوح عليه السلام .

                                                                                                                                                                                                                                      على رجل منكم ; أي : من جنسكم .

                                                                                                                                                                                                                                      لينذركم ويحذركم عاقبة ما أنتم عليه من الكفر والمعاصي حتى نسبتموني إلى السفاهة والكذب ، وفي إجابة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من يشافههم بما لا خير فيه من أمثال تلك الأباطيل ، بما حكي عنهم من المقالات الحقة المعربة عن نهاية الحلم والرزانة ، وكمال الشفقة والرأفة ، من الدلالة على حيازتهم القدح المعلى من مكارم الأخلاق ما لا يخفى مكانه .

                                                                                                                                                                                                                                      واذكروا إذ جعلكم خلفاء شروع في بيان ترتيب أحكام النصح [ ص: 239 ] والأمانة ، والإنذار وتفصيلها ، و" إذ " منصوب باذكروا على المفعولية دون الظرفية ، وتوجيه الأمر بالذكر إلى الوقت دون ما وقع فيه من الحوادث ، مع أنها المقصودة بالذات ; للمبالغة في إيجاب ذكرها لما أن إيجاب ذكر الوقت إيجاب لذكر ما فيه بالطريق البرهاني ، ولأن الوقت مشتمل عليها ، فإذا استحضر كانت هي حاضرة بتفاصيلها ، كأنها مشاهدة عيانا ، ولعله معطوف على مقدر ، كأنه قيل : لا تعجبوا من ذلك ، أو تدبروا في أمركم ، واذكروا وقت جعله تعالى إياكم خلفاء .

                                                                                                                                                                                                                                      من بعد قوم نوح ; أي : في مساكنهم ، أو في الأرض بأن جعلكم ملوكا ، فإن شداد بن عاد ممن ملك معمورة الأرض من رمل عالج إلى شحر عمان .

                                                                                                                                                                                                                                      وزادكم في الخلق ; أي : في الإبداع والتصوير ، أو في الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      بسطة قامة وقوة ، فإنه لم يكن في زمانهم مثلهم في عظم الأجرام . قال الكلبي والسدي : كانت قامة الطويل منهم مائة ذراع ، وقامة القصير ستين ذراعا .

                                                                                                                                                                                                                                      فاذكروا آلاء الله التي أنعم بها عليكم من فنون النعماء التي هذه من جملتها ، وهذا تكرير للتذكير لزيادة التقرير وتعميم إثر تخصيص .

                                                                                                                                                                                                                                      لعلكم تفلحون كي يؤديكم ذلك إلى الشكر المؤدي إلى النجاة من الكروب والفوز بالمطلوب .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية