الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وقالت اليهود عزير . الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن [ ص: 318 ] مردويه، عن ابن عباس قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى أبو أنس، وشأس بن قيس، ومالك بن الصيف فقالوا : كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا وأنت لا تزعم أن عزيرا ابن الله فأنزل الله في ذلك : وقالت اليهود الآية . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : وقالت اليهود عزير ابن الله . وإنما قالوا : هو ابن الله من أجل أن عزيرا كان في أهل الكتاب وكانت التوراة عندهم فعملوا بها ما شاء الله أن يعملوا، ثم أضاعوها وعملوا بغير الحق وكان التابوت فيهم، فلما رأى الله أنهم قد أضاعوا التوراة، وعملوا بالأهواء رفع الله عنهم التابوت وأنساهم التوراة ونسخها من صدورهم، وأرسل عليهم مرضا فاستطلقت بطونهم منه حتى جعل الرجل يمشي كبده حتى نسوا التوراة، ونسخت من صدورهم وفيهم عزير، فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا بعدما نسخت التوراة من صدورهم وكان عزير قبل من علمائهم، فدعا عزير الله وابتهل إليه أن يرد إليه الذي نسخ من صدره فبينما هو يصلي مبتهلا إلى الله نزل نور من الله فدخل جوفه، فعاد إليه الذي كان ذهب من جوفه من التوراة، فأذن في قومه فقال : يا قوم قد آتاني الله التوراة ردها إلي . [ ص: 319 ] فعلق يعلمهم، فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا وهو يعلمهم، ثم إن التابوت نزل عليهم بعد ذلك وبعد ذهابه منهم، فلما رأوا التابوت عرضوا ما كان فيه على الذي كان عزير يعلمهم، فوجدوه مثله فقالوا : والله ما أوتي عزير هذا إلا أنه ابن الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله : وقالت اليهود عزير ابن الله قال : قالها رجل واحد اسمه فنحاص .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر عن ابن عباس قال : كن نساء بني إسرائيل يجتمعن بالليل فيصلين ويعتزلن ويذكرن ما فضل الله به بني إسرائيل وما أعطاهم، ثم سلط عليهم شر خلقه بختنصر فحرق التوراة وخرب بيت المقدس، وعزير يومئذ غلام فقال عزير : أوكان هذا؟! فلحق الجبال والوحش، فجعل يتعبد فيها وجعل لا يخالط الناس، فإذا هو ذات يوم بامرأة عند قبر وهي تبكي فقال : يا أمة الله اتقي الله واحتسبي واصبري، أما تعلمين أن سبيل الناس إلى الموت؟! فقالت : يا عزير أتنهاني أن أبكي وأنت قد خلفت بني إسرائيل ولحقت بالجبال والوحش؟! قالت : إني لست بامرأة ولكني الدنيا، وإنه سينبع في مصلاك عين وتنبت شجرة فاشرب من ماء العين وكل من ثمرة الشجرة، فإنه سيأتيك ملكان فاتركهما يصنعان ما أرادا، فلما كان من الغد نبعت العين ونبتت الشجرة، فشرب من ماء العين وأكل من ثمرة الشجرة، وجاء ملكان ومعهما قارورة فيها نور، فأوجراه ما فيها، [ ص: 320 ] فألهمه الله التوراة، فجاء فأملاه على الناس، فعند ذلك قالوا : عزير ابن الله تعالى الله عن ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن كعب قال : دعا عزير ربه أن يلقى التوراة كما أنزل على موسى في قلبه، فأنزلها الله عليه فبعد ذلك قالوا : عزير ابن الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن حميد الخراط، أن عزيرا كان يكتبها بعشرة أقلام في كل أصبع قلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن الزهري قال : كان عزير يقرأ التوراة ظاهرا، وكان قد أعطي من القوة ما إن كان لينظر في البدر في شرف السحاب، فعند ذلك قالت اليهود : عزير ابن الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : إنما قالت اليهود عزير ابن الله لأنهم ظهرت عليهم العمالقة فقتلوهم وأخذوا التوراة وهرب علماؤهم الذين بقوا فدفنوا كتب التوراة في الجبال وكان عزير يتعبد في رؤوس الجبال لا ينزل إلا في يوم عيد، فجعل الغلام يبكي ويقول : رب تركت بني إسرائيل بغير عالم فلم يزل يبكيهم حتى سقط أشفار عينيه، فنزل مرة إلى العيد، فلما رجع إذا هو بامرأة قد مثلت له عند قبر من تلك القبور تبكي وتقول : يا مطعماه يا كاسياه، فقال لها : ويحك من كان يطعمك أو يكسوك أو يسقيك أو ينفعك قبل هذا الرجل؟! قالت : الله، قال : فإن الله حي لم يمت، قالت : يا عزير فمن كان يعلم العلماء قبل بني إسرائيل؟ قال : الله، قالت : فلم تبكي عليهم؟! [ ص: 321 ] فلما عرف أنه قد خصم ولى مدبرا، فدعته فقالت : يا عزير إذا أصبحت غدا فائت نهر كذا وكذا، فاغتسل فيه ثم اخرج فصل ركعتين، فإنه يأتيك شيخ فما أعطاك فخذه، فلما أصبح انطلق عزير إلى ذلك النهر واغتسل فيه ثم خرج فصلى ركعتين فأتاه شيخ فقال : افتح فمك، ففتح فمه فألقى فيه شيئا كهيئة الجمرة العظيمة مجتمع كهيئة القوارير، ثلاث مرات فرجع عزير، وهو من أعلم الناس بالتوراة، فقال : يا بني إسرائيل إني قد جئتكم بالتوراة، فقالوا : ما كنت كذابا فعمد فربط على كل أصبع له قلما، ثم كتب بأصابعه كلها فكتب التوراة، فلما رجع العلماء أخبروا بشأن عزير واستخرج أولئك العلماء كتبهم التي كانوا دفنوها من التوراة في الجبال وكانت في خوابي مدفونة فعرضوها بتوراة عزيز، فوجدوها مثلها فقالوا : ما أعطاك الله إلا وأنت ابنه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، وابن عساكر عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث أشك فيهن، فلا أدري أعزير كان نبيا أم لا ولا أدري ألعن تبع أم لا قال : ونسيت الثالثة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن النجار في تاريخه عن أبي سعيد الخدري قال : لما كان يوم أحد شج رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وكسرت رباعيته، فقام [ ص: 322 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ رافعا يديه يقول : إن الله عز وجل اشتد غضبه على اليهود أن قالوا : عزير ابن الله واشتد غضبه على النصارى أن قالوا : المسيح ابن الله وإن الله اشتد غضبه على من أراق دمي وآذاني في عترتي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن النجار عن ابن عباس قال : قال عزير : يا رب ما علامة من صافيته من خلقك فأوحى الله إليه : أقنعه باليسير وأدخر له في الآخرة الكثير .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس : يضاهئون قال : يشبهون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس في قوله : يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قال : قالوا مثل ما قال أهل الأديان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة في قوله : يضاهئون قول الذين كفروا من قبل يقول : ضاهت النصارى قول اليهود قبلهم، فقالت النصارى : المسيح ابن الله، كما قالت اليهود : عزير ابن الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس في قوله : قاتلهم الله قال : لعنهم الله وكل شيء في القرآن قتل فهو لعن .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 323 ] وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ ، عن ابن جريج في قوله : قاتلهم الله قال : كلمة من كلام العرب .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية