الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          السابع : عقد النكاح لا يصح منه وفي الرجعة روايتان ، ولا فدية عليه في شيء منهما .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل ( السابع : عقد النكاح ) فإنه محظور إلا في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - ( لا يصح منه ) لما روى مسلم عن عثمان مرفوعا : لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب وعن ابن عمر أنه كان يقول : لا ينكح المحرم ، ولا ينكح ، ولا يخطب على نفسه ، ولا على غيره . رواه الشافعي ، ورفعه الدارقطني . وظاهره لا فرق بين أن يتزوج أو يزوج محرمة أو يكون وكيلا أو وليا نقله الجماعة ، وسواء تعمد أو لا ، وأجازه ابن عباس لروايته أنه - عليه السلام - تزوج ميمونة ، وهو محرم . متفق عليه . ولأحمد ، والنسائي : وهما محرمان ، ولأنه عقد ملك به الاستمتاع فلم يحرمه الإحرام كشراء الإماء .

                                                                                                                          وجوابه : ما روى يزيد عن ميمونة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها حلالا ، وبنى بها حلالا ، وماتت بسرف إسناده جيد . رواه أحمد ، وقال الترمذي غريب ، ولمسلم عن يزيد عن ميمونة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهو حلال ، وكانت خالتي ، وخالة ابن عباس . وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن سليمان بن يسار ، عن أبي رافع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة حلالا ، وبنى بها حلالا ، وكنت الرسول بينهما إسناده جيد . رواه أحمد ، والترمذي ، وحسنه ، وقال ابن المسيب : وهل ابن عباس ، وفي رواية : وهم ، رواهما الشافعي .

                                                                                                                          [ ص: 160 ] وبالجملة فقصة ميمونة مختلفة ، ورواية الحل أكثر ، وفيها صاحب القصة ، والسفير فيها ، ولا مطعن فيها مع موافقتها لما تقدم ، وفيها زيادة مع صغر ابن عباس إذن ، ويمكن حمل قوله : وهو محرم أي : في الشهر الحرام أو البلد الحرام كقولهم : قتل عثمان محرما ، أو تزوجها حلالا ، وظهر تزويجها وهو محرم . ثم لو وقع التعارض فحديثنا أولى ; لأنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك فعله . ويحتمل أن يكون خاصا به ، وعليه عمل الخلفاء ، وعقد النكاح يخالف شراء الأمة ; لأنه يحرم بالعدة ، والردة ، واختلاف الدين ، وكون المنكوحة أختا له من الرضاع ، والنكاح يراد به الوطء غالبا بخلاف شراء الأمة فافترقا ، وعنه : إن زوج المحرم غيره ، صح ; لأنه سبب لإباحة محظور لحلال ، فلم يمنعه الإحرام كحلقه رأس حلال ، وروي عنه أنه قال : لم أفسخه ، [ وهو ] محمول على أنه مختلف فيه ، وعلى المذهب الاعتبار بحالة العقد ، فلو وكل محرم حلالا فيه فعقده بعد حله صح في الأشهر ، وعكسه بعكسه ولو وكل ، ثم أحرم ، لم ينعزل وكيله في الأصح ، وله عقده إذا حل ، فلو وكل حلال مثله فعقده ، فأحرم الموكل ، واختلفا ، فقالت : عقد بعد الإحرام ، وقال هو : قبله ، قبل قوله ، وكذا في عكسه ; لأنه يملك فسخ العقد فملك الإقرار به ، لكن يلزمه نصف الصداق ، ويصح مع جهلهما وقوعه ; لأن الظاهر صحته .

                                                                                                                          تتمة : دخل في كلامه ما لو أحرم الإمام الأعظم فإنه يمنع من التزويج لنفسه ، وسائر أقاربه ، وهل يمنع أن يزوج بالولاية العامة ؛ فيه احتمالان ذكرهما ابن عقيل [ ص: 161 ] واختار الجواز لحله حال ولايته ، والاستدامة أقوى ; لأن الإمامة لا تبطل بفسق طرأ ، وفي " التعليق " لم يجز أن يزوج ويزوج خلفاؤه ، وصرح به في " الوجيز " ; لأنه يجوز بولاية الحكم ما لا يجوز بولاية النسب بدليل تزويج الكافرة ، وإن أحرم نائبه فكهو ، قاله بعض أصحابنا .

                                                                                                                          ( وفي الرجعة روايتان ) كذا في " الفروع " المنع ، نقله الجماعة ، ونصره القاضي وأصحابه ; لأنه عقد وضع لإباحة البضع ، أشبه النكاح . والثانية : الإباحة اختارها الخرقي ، وجزم بها في " الوجيز " وصححها في " المغني " و " الشرح " ; لأنها إمساك ، ولأنها مباحة قبل الرجعة فلا إحلال ، ولو قلنا لم يكن ذلك مانعا من رجعتها ، كالتكفير للمظاهر وتعقبه القاضي ، ( ولا فدية عليه في شيء منهما ) ; لأنه عقد فسد لأجل الإحرام فلم يجب به فدية كشراء الصيد ، ولا فرق فيه بين الإحرام الصحيح ، والفاسد قاله في " الشرح " .

                                                                                                                          مسألة : يكره للمحرم الخطبة كخطبة العقد وشهوده ، وحرمها ابن عقيل ، كتحريم دواعي الجماع ، وتكره شهادته فيه ، وحرمها ابن عقيل ، وقدمها القاضي ، واحتج بنقل حنبل : لا يخطب . قال : معناه : لا يشهد النكاح ، وما روي فيه : " ولا تشهد " فلا يصح .




                                                                                                                          الخدمات العلمية