الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب شوب اللبن بالماء

                                                                                                                                                                                                        5289 حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبنا وأتى داره فحلبت شاة فشبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم من البئر فتناول القدح فشرب وعن يساره أبو بكر وعن يمينه أعرابي فأعطى الأعرابي فضله ثم قال الأيمن فالأيمن

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب شرب اللبن بالماء ) أي ممزوجا ، وإنما قيده بالشرب للاحتراز عن الخلط عند البيع فإنه غش . ووقع في رواية الكشميهني بالواو بدل الراء ، والشوب الخلط ، قال ابن المنير : مقصوده أن ذلك لا يدخل في النهي عن الخليطين ، وهو يؤيد ما تقدم من فائدة تقييده الخليطين بالمسكر ، أي إنما ينهى عن الخليطين إذا كان كل واحد منهما من جنس ما يسكر ، وإنما كانوا يمزجون اللبن بالماء لأن اللبن عند الحليب يكون حارا وتلك البلاد في الغالب حارة ، فكانوا يكسرون حر اللبن بالماء البارد . ذكر فيه حديثين : الأول .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا عبدان ) هو عبد الله بن عثمان ، وعبد الله هو ابن المبارك ، ويونس هو ابن يزيد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرب لبنا وأتى داره ) أي دار أنس ، وهي جملة حالية أي رآه حين أتى داره ، وقد تقدم في الهبة من طريق أبي طوالة عن أنس بلفظ أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دارنا هذه فاستسقى ، فحلبنا شاة لنا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فحلبت ) عين في هذه الرواية أنه هو الذي باشر الحلب ، وقوله : " فشبت " كذا للأكثر من الشوب بلفظ المتكلم ، ووقع في رواية الأصيلي بكسر المعجمة بعدها تحتانية على البناء للمجهول .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأبو بكر عن يساره ) زاد في رواية أبي طوالة وعمر تجاهه ، وقد تقدم ضبطها في الهبة ، وتقدم في الشرب من طريق شعيب عن الزهري في هذا الحديث " فقال عمر وخاف أن يعطيه الأعرابي : أعط أبا بكر " وفي رواية أبي طوالة " فقال عمر هذا أبو بكر " قال الخطابي وغيره : كانت العادة جارية لملوك الجاهلية ورؤسائهم بتقديم الأيمن في الشرب ، حتى قال عمرو بن كلثوم في قصيدة له :

                                                                                                                                                                                                        وكان الكأس مجراها اليمينا

                                                                                                                                                                                                        فخشي عمر لذلك أن يقدم الأعرابي على أبي بكر في الشرب فنبه عليه لأنه احتمل عنده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤثر تقديم أبي بكر على تلك العادة فتصير السنة تقديم الأفضل في الشرب على الأيمن ، فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - بفعله وقوله أن تلك العادة لم تغيرها السنة ، وأنها مستمرة ، وأن الأيمن يقدم على الأفضل في ذلك . ولا يلزم من ذلك حط رتبة الأفضل ، وكان ذلك لفضل اليمين على اليسار .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأعطى الأعرابي فضله ) أي اللبن الذي فضل منه بعد شربه ، وقد تقدم في الهبة ذكر من زعم أن اسم هذا الأعرابي خالد بن الوليد وأنه وهم ، ووقع عند الطبراني من حديث عبد الله بن أبي حبيبة قال : " أتانا [ ص: 79 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجد قباء ، فجئت فجلست عن يمينه وجلس أبو بكر عن يساره ، ثم دعا بشراب فشرب وناولني عن يمينه " وأخرجه أحمد لكن لم يسم الصحابي ، ولا يمكن تفسير المبهم في حديث أنس به أيضا لأن هذه القصة كانت بقباء وتلك في دار أنس أيضا فهو أنصاري ولا يقال له أعرابي كما استبعد ذلك في حق خالد بن الوليد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثم قال : الأيمن فالأيمن ) في رواية الكشميهني " وقال " بالواو بدل " ثم " وفي رواية أبي طوالة " الأيمنون فالأيمنون " وفيه حذف تقديره الأيمنون مقدمون أو أحق أو يقدم الأيمنون . وأما رواية الباب فيجوز الرفع على ما سبق ، والنصب على تقدير قدموا أو أعطوا . ووقع في الهبة بلفظ " ألا فيمنوا " والكلام عليها . واستنبط بعضهم من تكرار الأيمن أن السنة إعطاء من على اليمين ثم الذي يليه وهلم جرا ، ويلزم منه أن يكون عمر في الصورة التي وردت في هذا الحديث شرب بعد الأعرابي ثم شرب أبو بكر بعده . لكن الظاهر عن عمر إيثاره أبا بكر بتقديمه عليه . والله أعلم . وفي الحديث من الفوائد غير ما ذكر أن من سبق إلى مجلس علم أو مجلس رئيس لا ينحى منه لمجيء من هو أولى منه بالجلوس في الموضع المذكور ، بل يجلس الآتي حيث انتهى به المجلس ، لكن إن آثره السابق جاز ، وأن من استحق شيئا لم يدفع عنه إلا بإذنه كبيرا كان أو صغيرا إذا كان ممن يجوز إذنه . وفيه أن الجلساء شركاء فيما يقرب إليهم على سبيل الفضل لا اللزوم ، للإجماع على أن المطالبة بذلك لا تجب قاله ابن عبد البر ، ومحله ما إذا لم يكن فيهم الإمام أو من يقوم مقامه ، فإن كان فالتصرف في ذلك له . وفيه دخول الكبير بيت خادمه وصاحبه ولو كان صغير السن وتناوله مما عندهم من طعام وشراب من غير بحث . وسيأتي بقية فوائده بعد ثلاثة أبواب إن شاء الله - تعالى - . الحديث الثاني .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية