الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولقد مكناكم في الأرض ترغيب في قبول دعوة النبي عليه الصلاة والسلام بتذكير النعم إثر ترغيب .

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر الطيبي أن هذا نوع آخر من الإنذار فإنه جملة قسمية معطوفة على قوله سبحانه : اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم على تقدير قل اتبعوا وقل والله لقد مكناكم والمعنى جعلنا لكم في الأرض مكانا وقرارا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : أقدرناكم على التصرف فيها فهو حينئذ كناية ورجحت هنا الحقيقة وجعلنا لكم فيها معايش أي ما تعيشون به وتحيون من المطاعم والمشارب ونحوها أو ما تتوصلون به إلى ذلك وهو في الأصل مصدر عاش يعيش وعيشة ومعاشا ومعيشة بوزن مفعلة والجمهور على التصريح بالياء فيها وروي عن نافع معائش بالهمزة وغلطه النحويون ومنهم سيبويه في ذلك لأنه لا يهمز عندهم بعد ألف الجمع إلا الياء الزائدة كصحيفة وصحائف وأما معايش فياؤه أصلية هي عين الكلمة لأنها من العيش وبالغ أبو عثمان فقال إن نافعا لم يكن يدري بالعربية وتعقب ذلك بأن هذه القراءة وإن كانت شاذة غير متواترة مأخوذة من الفصحاء الثقات والعرب قد تشبه الأصلي بالزائد لكونه على صورته وقد سمع هذا عنهم فيما ذكر وفي مصائب ومنائر أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال سيبويه إنها غلط يمكن أن يراد به أنها خارجة عن الجادة والقياس وكثيرا ما يستعمل الغلط في كتابه بهذا المعنى والجعل بمعنى الإنشاء والإبداع وكل واحد من الظرفين متعلق به أو بمحذوف وقع حالا من مفعوله المنكر إذ لو تأخر لكان صفة له وتقديمها على المفعول مع أن حقهما التأخير عنه كما قال بعض المحققين للاعتناء بشأن المقدم والتشويق إلى المؤخر فإن النفس عند تأخير ما حقه التقديم لا سيما عند كون المقدم [ ص: 86 ] منبئا عن منفعة السامع تبقى مترقبة لورود المؤخر فيتمكن فيها عند الورود فضل تمكن وأما تقديم اللام على في فلما أنه المنبئ عما ذكر من المنفعة والاعتناء بشأنه أتم والمسارعة إلى ذكره أهم وقيل : إن الجعل متعد إلى مفعولين ثانيهما أحد الظرفين على أنه مستقر قدم على الأول والظرف إما لغو متعلق بالجعل أو بالمحذوف الواقع حالا من المفعول الأول كما مر واعترض بأنه لا فائدة يعتد بها في الإخبار بجعل المعايش حاصلة لهم أو حاصلة في الأرض قليلا ما تشكرون (10) تلك النعمة الجسيمة وهو تذييل مسوق لبيان سوء المخاطبين وتحذيرهم قال الطيبي : والتذييل بذلك لأن الشكر مناسب لتمكينهم في البلاد والتصرف فيها كما أن التذكر في الجملة السابقة موافق للتمييز بين اتباع دين الحق ودين الباطل وبقية الكلام في هذه الجملة على طرز ما مر في نظيرها فتذكر .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية