الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: كما أخرجك ربك في متعلق هذه الكاف خمسة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنها متعلقة بالأنفال . ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال . أحدها: أن تأويله: امض لأمر الله في الغنائم وإن كرهوا ، كما مضيت في خروجك من بيتك وهم كارهون ، قاله الفراء . والثاني: أن الأنفال لله والرسول صلى الله عليه وسلم بالحق الواجب ، كما [ ص: 322 ] أخرجك ربك بالحق ، وإن كرهوا ذلك ، قاله الزجاج . والثالث: أن المعنى: يسألوك عن الأنفال مجادلة ، كما جادلوك في خروجك ، حكاه جماعة من المفسرين .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها متعلقة بقوله: فاتقوا الله وأصلحوا ، والمعنى: إن التقوى والإصلاح خير لكم ، كما كان إخراج الله نبيه محمدا خيرا لكم وإن كرهه بعضكم ، هذا قول عكرمة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أنها متعلقة بقوله: يجادلونك ، فالمعنى: مجادلتهم إياك في الغنائم كإخراج الله إياك إلى بدر وهم كارهون ، قاله الكسائي .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع: أنها متعلقة بقوله : أولئك هم المؤمنون والمعنى: وهم المؤمنون حقا كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ، ذكره بعض ناقلي التفسير .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس: أن "كما" في موضع قسم ، معناها: والذي أخرجك من بيتك ، قاله أبو عبيدة ، واحتج بأن "ما" في موضع "الذي" ومنه قوله: وما خلق الذكر والأنثى [الليل:3] قال ابن الأنباري: وفي هذا القول بعد؛ لأن الكاف ليست من حروف الإقسام . وفي هذا الخروج قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنه خروجه إلى بدر ، وكره ذلك طائفة من أصحابه ، لأنهم علموا أنهم لا يظفرون بالغنيمة إلا بالقتال .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه خروجه من مكة إلى المدينة للهجرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي معنى قوله: "بالحق" قولان . أحدهما: أنك خرجت ومعك الحق .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنك خرجت بالحق الذي وجب عليك .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله: وإن فريقا من المؤمنين لكارهون قولان

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: كارهون خروجك . [ ص: 323 ] والثاني: كارهون صرف الغنيمة عنهم ، وهذه كراهة الطبع لمشقة السفر والقتال ، وليست كراهة لأمر الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: يجادلونك في الحق يعني في القتال يوم بدر ، لأنهم خرجوا بغير عدة ، فقالوا: هلا أخبرتنا بالقتال لنأخذ العدة ، فجادلوه طلبا للرخصة في ترك القتال . وفي قوله: بعدما تبين ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: تبين لهم فرضه . والثاني: تبين لهم صوابه . والثالث: تبين لهم أنك لا تفعل إلا ما أمرت به . وفي "المجادلين" قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنهم طائفة من المسلمين ، قاله ابن عباس ، والجمهور .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنهم المشركون ، قاله ابن زيد ، فعلى هذا يكون جدالهم في الحق الذي هو التوحيد ، لا في القتال . فعلى الأول ، يكون معنى قوله: كأنما يساقون إلى الموت أي: في لقاء العدو وهم ينظرون ، لأن أشد حال من يساق إلى الموت أن يكون ناظرا إليه ، وعالما به . وعلى قول ابن زيد: كأنما يساقون إلى الموت حين يدعون إلى الإسلام لكراهتهم إياه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية