الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 325 ] إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم - قوله تعالى: إذ تستغيثون ربكم سبب نزولها ما روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيف ، ونظر إلى المشركين وهم ألف وزيادة ، فاستقبل القبلة ، ثم مد يديه وعليه رداؤه وإزاره ، ثم قال: "اللهم أنجز ما وعدتني ، اللهم أنجز ما وعدتني ، اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض أبدا" فما زال يستغيث ربه ويدعوه ، حتى سقط رداؤه ، فأتاه أبو بكر الصديق فأخذ رداءه فرداه به ، ثم التزمه من ورائه ، وقال يا نبي الله كذاك مناشدتك ربك ، فإنه سينجز لك ما وعدك; وأنزل الله تعالى هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: "إذ" قال ابن جرير: هي من صلة "يبطل" . وفي قوله: تستغيثون قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: تستنصرون . والثاني: تستجيرون . والفرق بينهما أن المستنصر يطلب الظفر ، والمستجير يطلب الخلاص . وفي المستغيثين قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قاله الزهري .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله السدي . فأما الإمداد فقد سبق في [ ص: 326 ] [آل عمران:124] . وقوله: بألف قرأ الضحاك ، وأبو رجاء: "بآلاف" بهمزة ممدودة وبألف على الجمع . وقرأ أبو العالية ، وأبو المتوكل: "بألوف" برفع الهمزة واللام وبواو بعدها على الجمع . وقرأ ابن حذلم ، والجحدري: "بألف" بضم الألف واللام من غير واو ولا ألف ، وقرأ أبو الجوزاء ، وأبو عمران: "بيلف" بياء مفتوحة وسكون اللام من غير واو ولا ألف . فأما قوله: مردفين فقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي: "مردفين" بكسر الدال . قال ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك ، وابن زيد ، والفراء: هم المتتابعون . وقال أبو علي: يحتمل وجهين .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أن يكونوا مردفين مثلهم ، تقول أردفت زيدا دابتي; فيكون المفعول الثاني محذوفا في الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن يكونوا جاؤوا بعدهم; تقول العرب: بنو فلان مردوفونا ، أي: هم يجيؤون بعدنا . قال أبو عبيدة: مردفين: جاؤوا بعد . وقرأ نافع ، وأبو بكر ، عن عاصم: "مردفين" بفتح الدال . قال الفراء: أراد: فعل ذلك بهم ، أي: إن الله أردف المسلمين بهم . وقرأ معاذ القارئ ، وأبو المتوكل الناجي ، وأبو مجلز: "مردفين" بفتح الراء والدال مع التشديد . وقرأ أبو الجوزاء ، وأبو عمران: "مردفين" برفع الراء وكسر الدال . وقال الزجاج : يقال: ردفت الرجل: إذا ركبت خلفه ، وأردفته: إذا أركبته خلفي . ويقال: هذه دابة لا ترادف ، ولا يقال: لا تردف . ويقال: أردفت الرجل: إذا جئت بعده . فمعنى "مردفين" يأتون فرقة . بعد فرقة ويجوز في اللغة: مردفين ومردفين ومردفين ، فالدال مكسورة مشددة على كل حال ، والراء يجوز فيها الفتح والضم والكسر . قال [ ص: 327 ] سيبويه: الأصل مرتدفين ، فأدغمت التاء في الدال فصارت مردفين لأنك طرحت حركة التاء على الراء; وإن شئت لم تطرح حركة التاء ، وكسرت الراء لالتقاء الساكنين . والذين ضموا الراء ، جعلوها تابعة لضمة الميم . وقد سبق في (آل عمران) تفسير قوله: وما جعله الله إلا بشرى [آل عمران:126] ، وكان مجاهد يقول: ما أمد الله النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من هذه الألف التي ذكرت في [الأنفال:10] ، وما ذكر الثلاثة والخمسة إلا بشرى ، ولم يمدوا بها; والجمهور على خلافه ، وقد ذكرنا اختلافهم في عدد الملائكة في [آل عمران:126] .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية