الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 119 ] فصل في المستفيض [ تعريف المستفيض والفرق بينه وبين المتواتر ] قيل : إنه والمتواتر بمعنى واحد ، وهو الذي جرى عليه أبو بكر الصيرفي والقفال الشاشي ، كما رأيته في كتابيهما . وقيل : بل المستفيض رتبة متوسطة بين المتواتر والآحاد ، ونقله إمام الحرمين وأتباعه عن الأستاذ أبي إسحاق ، وجرى عليه تلميذه الأستاذ أبو منصور في كتاب معيار النظر " ، وابن برهان في الأوسط " فقال : ضابطه أن ينقله عدد كثير يربو على الآحاد ، وينحط عن عدد التواتر . وجعله الآمدي وابن الحاجب قسما من الآحاد . قال الآمدي : وهو ما نقله جماعة تزيد على الثلاثة والأربعة ، وهو المشهور في اصطلاح المحدثين ، وقيل : " المستفيض " ما تلقته الأمة بالقبول ، وعن الأستاذ أبي إسحاق أنه [ ص: 120 ] ما اشتهر عند أئمة الحديث ، ولم ينكروه ، وكأنه استدل بالاشتهار مع التسليم ، وعدم الإنكار على صحة الحديث ، وقد أشار ابن فورك في صدر كتابه : مشكل الحديث " إلى هذا أيضا .

                                                      ومثله بخبر : { في الرقة ربع العشر ، وفي مائتي درهم خمسة دراهم } . وقال الروياني في البحر " : المستفيض : أن يكون الخبر مرة بعد مرة ، وليس هناك رتبة تدل على خلافه . والمختار أنه الشائع بين الناس ، وقد صدر عن أصل ليخرج الشائع لا عن أصل . وذكر الماوردي في الحاوي " والروياني في البحر " تقسيما غربيا جعلا فيه المستفيض أعلى رتبة من المتواتر ، وكل منهما يفيد العلم . فقالا : الخبر على ثلاثة أضرب . أحدها : الاستفاضة ، وهو أن ينتشر من ابتدائه بين البر والفاجر ، ويتحققه العالم والجاهل ، ولا يختلف فيه ، ولا يشك فيه سامع إلى أن ينتهي ، وعنيا بذلك استواء الطرفين والوسط . قالا : وهذا أقوى الأخبار وأثبتها حكما . والثاني : التواتر : وهو أن يبتدئ به الواحد بعد الواحد حتى يكثر عددهم ، ويبلغوا قدرا ينتفي عن مثلهم التواطؤ والغلط فيكون في أوله من أخبار الآحاد وفي آخره من المتواتر ، والفرق بينه وبين الاستفاضة من ثلاثة أوجه . أحدها : ما ذكرناه من اختلافهما في الابتداء واتفاقهما في الانتهاء . الثاني : أن خبر الاستفاضة لا تراعى فيه عدالة المخبر ، وفي المتواتر يراعى ذلك . [ ص: 121 ] والثالث : أن الاستفاضة تنتشر من غير قصد له ، والمتواتر ما انتشر عن قصد لروايته ، ويستويان في انتفاء الشك ووقوع العلم بهما وليس العدد فيهما محصورا وإنما الشرط انتفاء التواطؤ على الكذب من المخبرين .

                                                      قالا : والمستفيض من أخبار السنة مثل عدد الركعات ، والتواتر منها مثل وجوب الزكوات . هكذا قالا ، وهو غريب ، لكن قولهما في الاستفاضة موافق لما اختاراه من أن الشهادة بالاستفاضة من طرقها أن يكون قد سمع ذلك من عدد يمتنع تواطؤهم على الكذب ، وهو اختيار ابن الصباغ والغزالي والمتأخرين . قال الرافعي وهو : أشبه بكلام الشافعي . والذي اختاره الشيخ أبو حامد الإسفراييني ، والشيخ أبو إسحاق ، وأبو حاتم القزويني ، أن أقل ما ثبتت به الاستفاضة سماعه من اثنين ، وإليه ميل إمام الحرمين ، وذكر الرافعي في موضع آخر عن ابن كج ، ونقل وجهين : في أنه هل يشترط أن يقع في قلب السامع صدق المخبر ؟ قال : ويشبه أن يكون هذا غير الخلاف المذكور في أنه هل يعتبر خبر عدد يؤمن فيهم التواطؤ .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية