الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( السادسة ) : قال علماؤنا وفي بعض آية من القرآن العظيم إعجاز ، وعلى التحقيق يتفاضل ثوابه ويتفاوت إعجازه ، كما في مختصر التحرير ، وغيره من كتب الأصول . قال الإمام القاضي أبو يعلى بن الفراء - قدس الله روحه - : في بعض آية من القرآن إعجاز لقوله تعالى فليأتوا بحديث مثله ، قال القاضي علاء الدين المرداوي في شرح التحرير : والظاهر أن القاضي أبا يعلى أراد ما فيه الإعجاز ، وإلا فلا يقول مثل قوله تعالى ثم نظر ونحوها أن في بعضها إعجازا وإلا فيها أيضا وهو واضح . وقال الإمام أبو الخطاب الكلوذاني أحد أعلام المذهب والحنفية : ولا إعجاز في بعض آية بل في آية .

وهذا ليس على إطلاقه فإن بعض الآيات الطوال فيها إعجاز كما أن الآية القصيرة كقوله تعالى ثم نظر لا يلزم أن يكون فيها إعجاز . وقال بعض المحققين : القرآن كله معجز لكن منه ما لو انفرد لكان معجزا بذاته ، ومنه ما إعجازه مع الانضمام ، فإن القرآن يتفاوت إعجازه ، ويتفاضل ثوابه ، فإن الفرق يظهر بين آية الكرسي وآية الدين ، وبين سورة الإخلاص ، وسورة تبت .

فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي أنزل عليه القرآن ، وهو أعلم بجمله وتفاصيله وبفضله وتفضيله : " ياسين قلب القرآن ، وفاتحة الكتاب أفضل سورة في القرآن ، وآية الكرسي أعظم آية في القرآن ، وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن " .

والأحاديث الواردة في فضائل القرآن وتخصيص بعض السور والآيات بالتفضيل وكثرة الثواب في تلاوتها كثيرة جدا .

وذهب الإمام [ ص: 181 ] أبو الحسن الأشعري ، والقاضي الباقلاني وغيرهما ، إلى المنع ، ويروى هذا القول عن الإمام مالك - رضي الله عنه - ولذلك كره أن تردد سورة دون غيرها ، قال بعض العلماء : والعجب ممن يذكر الخلاف في ذلك بعد ورود النصوص عن صاحب الشريعة بالتفضيل .

وقال العز بن عبد السلام : كلام الله في الله أي المتعلق بذاته وصفاته ، والثناء على نفسه ، ونحو ذلك ، أفضل من كلامه في غيره ، فقل هو الله أحد أفضل من تبت يدا أبي لهب .

وقال الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه - الإتقان في علوم القرآن - : اختلف القائلون بالتفضيل فقال بعضهم : التفضيل راجع إلى عظم الأجر ، ومضاعفة الثواب بحسب انفعالات النفس وخشيتها وتدبرها وتفكرها عند ورود أوصاف العلي الأعلى ، وقيل : بل يرجع لذات اللفظ ، وأن ما تضمنه قوله تعالى وإلهكم إله واحد الآية ، وآية الكرسي وآخر سورة الحشر ، وسورة الإخلاص من الدلالات على وحدانية الله تعالى وصفاته ليس موجودا مثلا في ( تبت يدا أبي لهب ) وما كان مثلها فالتفضيل إنما هو بالمعاني العجيبة وكرامتها ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية