الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 58 ] ولما نهضت الأدلة على أنه لا حظ لهم في الآخرة غير النار وذلك نقيض دعواهم أنها لهم فقط في قولهم : لن تمسنا النار إلا أياما معدودة وتفسيرهم ذلك بأنها سبعة أيام وأنا نخلفهم فيها ختم سبحانه ذلك بدليل قطعي بديهي فقال : قل إن كانت وقدم الجار إشعارا بالاختصاص ; فقال : لكم الدار الآخرة أي : كما زعمتم ، وميزها بقوله : عند الله الذي له الكمال كله ، وبين المراد بقوله : خالصة ولما ذكر الخلوص تأكيدا للمعنى زاده تأكيدا بقوله : من دون الناس أي : سائرهم لا يشرككم فيها أحد منهم من الخلوص وهو تصفية الشيء مما يمازجه في خلقته مما هو دونه ، قاله الحرالي . فتمنوا الموت لأن ذلك علم على صلاح حال العبد مع ربه وعمارة ما بينه وبينه ورجائه للقائه .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحرالي : فعلى قدر نفرة النفس من الموت يكون ضعف منال النفس مع المعرفة التي بها تأنس بربها فتتمنى لقاءه وتحبه ، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ، يقع ذلك لعامة المؤمنين عند [ ص: 59 ] الكشف حال الغرغرة ، ولخاصة المؤمنين في مهل الحياة لأنهم لو كشف لهم الغطاء لم يزدادوا يقينا ، فما هو للمؤمن بعد الكشف من محبة لقاء الله فهو للموقن في حياته ويقظته ، لكمال الكشف له مع وجود حجاب الملك الظاهر ; ولذلك ما مات نبي حتى يخير فيختار لقاء الله ، لتكون وفادته على الله وفادة محب مبادر ، ولتقاصر المؤمن عن يقين النبي يتولى الله الخيرة في لقائه ، لأنه وليه ، ومنه ما ورد : ما ترددت في شيء ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت ، وأنا أكره مساءته ولا بد له منه ; ففي ضمن ذلك اختيار الله للمؤمن لقاءه ، لأنه وليه يختار له فيما لا يصل إليه إدراكه ، انتهى . [ ص: 60 ] ثم سجل عليهم بالكذب فقال : إن كنتم صادقين أي : معتقدين للصدق في دعواكم خلوصها لكم ، ولما كان التقدير : فقال لهم فما تمنوه ؟ عطف عليه قوله ; إخبارا بالغيب قطعا للعناد مؤكدا لأن ادعاءهم الخلوص أعظم من ادعائهم الولاية كما في سورة الجمعة : ولن يتمنوه أبدا ، ثم ذكر السبب في عدم التمني فقال : بما قدمت وهو من التقدمة وهي وضع الشيء قداما وهو جهة القدم الذي هو الأمم والتجاه أي : قبالة الوجه ، قاله الحرالي . وعبر باليد التي بها أكثر الأفعال إشارة إلى أن أفعالهم لقباحتها كأنها خالية عن القصد فقال : [ ص: 61 ] أيديهم أي : من الظلم وإلى ذلك أشار قوله عاطفا على ما تقديره : فالله عليم بذلك ؟ والله الذي لا كفؤ له ، عليم بالظالمين أي : كلهم حيث أظهر تنبيها على الوصف الموجب للحكم وتعميما وتهديدا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية