الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين

                                                                                                                                                                                                                                      ولوطا منصوب بفعل مضمر ، معطوف على ما سبق ، وعدم التعرض للمرسل إليهم مقدما على المنصوب حسبما وقع فيما سبق وما لحق ، قد مر بيانه في قصة هود عليه السلام ، وهو لوط بن هاران بن تارخ ابن أخي إبراهيم ، كان من أرض بابل من العراق مع عمه إبراهيم ، فهاجر إلى الشام فنزل فلسطين ، وأنزل لوطا الأردن ، وهي كورة بالشام ، فأرسله الله تعالى إلى أهل سدوم ، وهي بلد بحمص .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : إذ قال لقومه ظرف للمضمر المذكور ; أي : أرسلنا لوطا إلى قومه وقت قوله لهم ... إلخ .

                                                                                                                                                                                                                                      ولعل تقييد إرساله عليه السلام بذلك ، لما أن إرساله إليهم لم يكن في أول وصوله إليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : هو بدل من " لوطا " بدل اشتمال على أن انتصابه باذكر ; أي : اذكر وقت قوله عليه السلام لقومه : أتأتون الفاحشة بطريق الإنكار التوبيخي التقريعي ; أي : أتفعلون تلك الفعلة المتناهية في القبح ، المتمادية في [ ص: 245 ] الشرية والسوء .

                                                                                                                                                                                                                                      ما سبقكم بها ما عملها قبلكم ، على أن الباء للتعدية ، كما في قوله عليه السلام : " سبقك بها عكاشة " ، من قولك : سبقته بالكرة ; أي : ضربتها قبله .

                                                                                                                                                                                                                                      و" من " في قوله تعالى : من أحد مزيدة لتأكيد النفي وإفادة معنى الاستغراق .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله تعالى : من العالمين للتبعيض ، والجملة مستأنفة مسوقة لتأكيد النكير ، وتشديد التوبيخ والتقريع ، فإن مباشرة القبيح واختراعه أقبح ، ولقد أنكر الله تعالى عليهم أولا إتيان الفاحشة ، ثم وبخهم بأنهم أول من عملها ، فإن سبك النظم الكريم وإن كان على نفي كونهم مسبوقين من غير تعرض لكونهم سابقين ، لكن المراد : أنهم سابقون لكل من عداهم من العالمين ، كما مر تحقيقه مرارا في نحو قوله تعالى : ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا .

                                                                                                                                                                                                                                      أو مسوقة جوابا عن سؤال مقدر ، كأنه قيل من جهتهم : لم لا نأتيها ؟ فقيل بيانا للعلة وإظهارا للزاجر : ما سبقكم بها أحد ; لغاية قبحها وسوء سبيلها ، فكيف تفعلونها .

                                                                                                                                                                                                                                      قال عمرو بن دينار : ما نزا ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط ، قال محمد بن إسحق : كانت لهم ثمار وقرى لم يكن في الدنيا مثلها ، فقصدهم الناس فآذوهم ، فعرض لهم إبليس في صورة شيخ : إن فعلتم بهم كذا وكذا نجوتم منهم ; فأبوا ، فلما ألح الناس عليهم قصدوهم ، فأصابوا غلمانا صباحا فأخبثوا ، فاستحكم فيهم ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحسن : كانوا لا يفعلون ذلك إلا بالغرباء . وقال الكلبي : أول من فعل به ذلك الفعل إبليس الخبيث ، حيث تمثل لهم في صورة شاب جميل ، فدعاهم إلى نفسه ، ثم عبثوا بذلك العمل .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية