الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        العجز الشرعي كالحسي ، فلا يصح الاستئجار لقلع سن صحيحة ، أو [ قطع ] يد صحيحة ، ولا استئجار الحائض لكنس المسجد وخدمته ، ولا استئجار أحد لتعليم التوراة والإنجيل ، أو السحر ، أو الفحش ، أو ختان صغير لا يحتمل ألمه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قلع السن الوجعة ، إنما يجوز إذا صعب الألم وقال أهل الخبرة : إنه يزيل الألم . وقطع اليد المتأكلة ، إنما يجوز إذا قال أهل الخبرة : إنه نافع ، ومع ذلك ، ففيه خلاف وتفصيل يأتي إن شاء الله تعالى في باب ضمان الولاة من كتاب " الجنايات " فحيث لا يجوز القلع أو القطع ، فالاستئجار له باطل ، وحيث يجوز ، يصح الاستئجار [ ص: 185 ] على الأصح . ووجه المنع : أنه لا يوثق ببقاء العلة ، فربما زالت بتعذر الوفاء . وسبيل مثل هذا ، أن يحصل بالجعالة ، فيقول : اقلع سني هذه ولك كذا . ورأى الإمام تخصيص الوجهين بالقلع ، لأن زوال الوجع في ذلك الزمن غير بعيد ، بخلاف الأكلة ، فإنه غير محتمل في زمن القطع . ويجري الوجهان ، في الاستئجار للفصد والحجامة وبزغ الدابة ، لأن هذه الإيلامات إنما تباح بالحاجة ، وقد تزول الحاجة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        استأجرها لكنس المسجد ، فحاضت ، انفسخ العقد إن أستأجرها عينها وعينت المدة . وإن استأجر [ ها ] في الذمة ، لم ينفسخ ، لإمكان الكنس بغيرها أو بعد الحيض . وإذا جوزنا الاستئجار لقلع السن ، فسكن الوجع وبرأ ، انفسخت الإجارة ، للتعذر على المذهب ، وفيه كلام يأتي إن شاء الله تعالى في القسم الثالث من الباب الثالث . وإن لم يبرأ ، لكن امتنع المستأجر من القلع ، قال في " الشامل " : لا يجبر عليه ، إلا أنه إذا سلم الأجير نفسه ، ومضى مدة إمكان العمل ، وجب على المستأجر الأجرة . ثم ذكر القاضي أبو الطيب : أنها لا تستقر ، حتى لو انقلعت تلك السن ، انفسخت الإجارة ، ووجب رد الأجرة ، كما لو مكنت الزوجة في النكاح ، ولم يطأ الزوج . ويفارق ما إذا حبس الدابة مدة إمكان السير ، حيث تستقر عليه الأجرة ، لتلف المنافع تحت يده .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا الذي نقله عن صاحب " الشامل " إلى آخر كلام القاضي أبي الطيب ، هكذا هو في " الشامل " والبيان . فإن قيل : قد قال الشيخ نصر المقدسي في " تهذيبه " : إذا امتنع المستأجر من قلعه ، لم يكن له فسخ العقد ، لكن يدفع [ ص: 186 ] الأجرة ، وله الخيار بين مطالبته بقلعه ، وبين تركه ، كما لو استأجره ليخيط [ له ] ثوبا . قلنا : هذا الذي قاله ، لا يخالف قول صاحب " الشامل " . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية