الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل الضرب الثاني على الترتيب ، وهو ثلاثة أنواع ، أحدها : دم المتعة والقران ، فيجب الهدي ، فإن لم يجد ، فصيام ثلاثة أيام في الحج ، والأفضل أن يكون آخرها يوم عرفة وسبعة إذا رجع إلى أهله ، فإن صامها قبل ذلك ، أجزأ ، وإن لم يصم قبل يوم النحر ، صام أيام منى ، وعنه : لا يصومها ، ويصوم بعد ذلك عشرة أيام ، وعليه دم . وعنه : إن ترك الصوم لعذر ، لم يلزمه إلا قضاؤه وإن تركه لغير عذر ، فعليه مع فعله دم ، وقال أبو الخطاب : إن أخر الهدي والصوم لعذر ، لم يلزمه إلا قضاؤه ، وإن أخر الهدي لغير عذر ، فهل يلزمه دم آخر ؛ على روايتين قال : وعندي أنه لا يلزمه مع الصوم دم بحال . ولا يجب التتابع في الصيام ومتى وجب عليه الصوم ، فشرع فيه ، قدر على الهدي ، لم يلزمه الانتقال إليه ، وإن وجب ولم يشرع فيه ، فهل يلزمه الانتقال ؛ على روايتين .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل ( الضرب الثاني : على الترتيب وهو ثلاثة أنواع أحدها دم المتعة والقران ، فيجب الهدي ) في المتعة بقوله - تعالى - : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم [ البقرة : 196 ] وفي القران قياسا عليه ( فإن لم يجد ) الهدي في موضعه ، ولو وجده ببلده أو وجد من يقرضه ، نص عليه ; لأن وجوبه مؤقت ، فاعتبرت له القدرة في موضعه ، كماء الوضوء ، بخلاف رقبة الكفارة ( فصيام ثلاثة أيام في الحج ) لما سبق ( والأفضل أن يكون آخرها يوم عرفة ) هذا هو الأشهر عنه ، وعليه أصحابنا ليكون إثباتها أو بعضها بعد إحرامه بالحج ، واستحبا صوم عرفة لموضع الحاجة ، وفيه نظر ، وأجاب القاضي بأن عدم استحباب صومه يختص بالنقل ، وعليه يستحب له تقديم الإحرام بالحج قبل يوم التروية ليصومها في الحج ، وعنه : الأفضل أن يكون آخرها يوم التروية ، وفي " المجرد " أنه المذهب ، روي عن ابن عمر وعائشة ; لأن صوم يوم عرفة غير مستحب له ، ولعله [ ص: 176 ] أظهر من الأول ; لأنه يلزم نفسه المخالفة من وجهين ووقت جوازها إذا أحرم بالعمرة ، نص عليه ، كالنصاب والحول ، وعنه : بالحل منها ، وعنه : وقبل إحرامها ، وأنكرها جماعة ، والمراد : في أشهر الحج ، ونقلهالأثرم ; لأنه أحد نسكي التمتع ، فجاز تقديمها عليه كالحج ، وأما وقت وجوبها ، فوقت وجوب الهدي ; لأنه بدل كسائر الأبدال ، ( وسبعة إذا رجع إلى أهله ) للآية ، ولأنه ظاهر في الرجوع إلى الأهل ، وحديث ابن عمر المرفوع : فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة إذا رجع إلى أهله . متفق عليه . شاهد بذلك ، وللخروج من الخلاف ( فإن صامها قبل ذلك أجزأ ) ; لأن كل صوم واجب جاز في وطن فاعله ، جاز في غيره كسائر الفروض ، فعلى هذا يجوز بعد أيام التشريق ، نص عليه ، ومحله إذا كان طاف للزيارة . قاله القاضي فيكون المراد من الآية إذا رجعتم من عمل الحج ; لأنه المذكور ، ومعتبر لجواز الصوم ، وتأخيرها إنما كان رخصة ، وتخفيفا كتأخير رمضان لسفر ومرض ، ولأنه وجد سببه ( وإن لم يصم ) الثلاثة ( قبل يوم النحر صام أيام منى ، وعنه : لا يصومها ) والترجيح مختلف ، قاله في " الفروع " والسبعة لا يجوز صومها في أيام التشريق ، نص عليه ، وعليه الأصحاب لبقاء أعمال من الحج ( ويصوم بعد ذلك عشرة أيام ) لوجوب قضائها بفواته كرمضان ، وسواء قلنا بعدم جواز صومها أو بجوازه ، ولم يصمها ( وعليه دم ) ; لأنه أخر الواجب عن وقته فلزمه كرمي الجمار ، فعلى هذا لا فرق بين المؤخر للعذر أو لغيره ، وعنه : لا يلزمه ، وعلله في " الخلاف " بأنه نسك أخره في وقت جواز فعله كالوقوف إلى الليل ، وفيه شيء .

                                                                                                                          ( وعنه : إن ترك الصوم لعذر لم يلزمه إلا قضاؤه ) ; لأن الدم الذي هو [ ص: 177 ] المبدل لو أخره لعذر لم يكن عليه دم لتأخيره ، والبدل أولى ، ( وإن تركه لغير عذر فعليه مع فعله دم ) فعلى أنه إن صام أيام التشريق على القول بجوازه أنه لا دم عليه ، جزم به جماعة قال في " الفروع " : ولعله مراد القاضي وأصحابه ، و " المستوعب " : بتأخير الصوم عن أيام الحج ، ( وقال أبو الخطاب إن أخر الهدي ) الواجب لعذر مثل أن ضاعت نفقته ( أو الصوم لعذر لم يلزمه إلا قضاؤه ) كسائر الهدايا الواجبة ، ( وإن أخر الهدي لغير عذر فهل يلزمه دم آخر على روايتين ) إحداهما : لا يلزمه شيء زائد كالهدايا الواجبة ، والثانية : يلزمه دم ، روي عن ابن عباس .

                                                                                                                          قال : أحمد من تمتع فلم يهد إلى قابل يهدي هديين ; لأن الدم في المتعة نسك مؤقت فلزم الدم بتأخيره عن وقته ، كتأخير رمي الجمار عن أيام التشريق ( قال : وعندي أنه لا يلزمه مع الصوم دم بحال ) هذا رواية عن أحمد ; لأنه صوم ، واجب يجب القضاء بفواته ، فلم يجب بفواته دم كصوم رمضان ، ( ولا يجب التتابع ) ولا التفريق ( في الصيام ) لا في الثلاثة ولا السبعة ، نص عليه ، وفاقا لإطلاق الأمر ، وذلك لا يقتضي جمعا ، ولا تفريقا ، ويشمل ما إذا قضاهما فإنه لا يجب التفريق كسائر الصوم ، وأوجبه بعض الشافعية ، وتبعه في " المغني " و " الشرح " بأن وجوب التفريق في الأداء إذا صام أيام منى ، وأتبعها السبعة ، ثم إنما كان من حيث الوقت فسقط بفواته كالتفريق بين الوقوف ، بخلاف أفعال الصلاة من ركوع وسجود ، فإنه من حيث الفعل فلم يسقط .

                                                                                                                          [ ص: 178 ] فرع : إذا مات ، ولم يصم فكصوم رمضان ، نص عليه ، تمكن منه أم لا .

                                                                                                                          ( ومتى وجب عليه الصوم ، فشرع فيه ، ثم قدر على الهدي لم يلزمه الانتقال إليه ) وأجزأه الصوم كما لو وجد الرقبة بعد الشروع في صوم الكفارة . وظاهره أن له الانتقال إلى الهدي ; لأنه أكمل ، وفي " الفصول " تخريج يلزمه الانتقال اعتبارا بالأغلظ في الكفارة ، والفرق ظاهر ; لأن المظاهر ارتكب محرما فناسبه المعاقبة ، بخلاف الحاج ، فإنه في طاعة ، فناسبه التخفيف ، وقيل : إن قدر على الهدي قبل يوم النحر انتقل إليه ، وإن وجده بعد أن مضت أيام النحر ، أجزأه الصيام ; لكونه قدر على المبدل في وقت وجوبه ، فلم يجزئه البدل ، كما لو لم يصم ، وعلى المذهب ففرق بينه ، وبين المتيمم يجد الماء في الصلاة إن قلنا تبطل ; لأن ظهور المبدل هناك يبطل حكم البدل من أصله ، ويبطل ما مضى ، وهنا صومه صحيح يثاب عليه ( وإن وجب ، ولم يشرع فيه فهل يلزمه الانتقال ؛ على روايتين ) إحداهما : لا يلزمه ، نقلها المروذي ; لأن الصوم استقر في ذمته حال وجود السبب المتصل بشرطه ، وهو عدم الهدي . والثانية : بلى ، نقلها يعقوب ، وهي ظاهر " الوجيز " كالمتيمم يجد الماء .




                                                                                                                          الخدمات العلمية