الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون

مستأنفة لابتداء كلام في التنويه بشأن القرآن منقطعة عن المقول للانتقال من غرض إلى غرض بمنزلة التذييل لمجموع أغراض السورة ، والخطاب للمسلمين .

ويجوز أن تكون من تمام القول المأمور بأن يجيبهم به ، فيكون الخطاب للمشركين ثم وقع التخلص لذكر المؤمنين بقوله وهدى ورحمة لقوم يؤمنون .

والإشارة ب " هذا بصائر " إلى القرآن ، ويجوز أن تكون الإشارة إلى ما تقدم من السورة أو من المحاجة الأخيرة منها ، وإفراد اسم الإشارة لتأويل المشار إليه بالمذكور .

[ ص: 238 ] والبصائر جمع بصيرة وهي ما به اتضاح الحق وقد تقدم عند قوله - تعالى - قد جاءكم بصائر من ربكم في سورة الأنعام ، وهذا تنويه بشأن القرآن وأنه خير من الآيات التي يسألونها ، لأنه يجمع بين الدلالة على صدق الرسول بواسطة دلالة الإعجاز وصدوره عن الأمي ، وبين الهداية والتعليم والإرشاد ، والبقاء على العصور .

وإنما جمع " البصائر " لأن في القرآن أنواعا من الهدى على حسب النواحي التي يهدي إليها ، من تنوير العقل في إصلاح الاعتقاد ، وتسديد الفهم في الدين ، ووضع القوانين للمعاملات والمعاشرة بين الناس ، والدلالة على طرق النجاح والنجاة في الدنيا ، والتحذير من مهاوي الخسران .

وأفرد الهدى والرحمة لأنهما جنسان عامان يشملان أنواع البصائر فالهدى يقارن البصائر والرحمة غاية للبصائر ، والمراد بالرحمة ما يشمل رحمة الدنيا وهي استقامة أحوال الجماعة وانتظام المدنية ورحمة الآخرة وهي الفوز بالنعيم الدائم كقوله - تعالى - من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون .

وقوله " من ربكم " ترغيب للمؤمنين وتخويف للكافرين .

و لقوم يؤمنون يتنازعه بصائر وهدى ورحمة لأنه إنما ينتفع به المؤمنون فالمعنى هذا بصائر لكم وللمؤمنين ، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون خاصة إذ لم يهتدوا ، وهو تعريض بأن غير المؤمنين ليسوا أهلا للانتفاع به وأنهم لهوا عن هديه بطلب خوارق العادات .

التالي السابق


الخدمات العلمية