الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وأما الهمزة المكسورة فتأتي أيضا متفقا عليه بالاستفهام ومختلفا فيه ، فالضرب الأول المتفق عليه سبع كلم في ثلاثة عشر موضعا ، وهي ( أينكم ) في الأنعام والنمل وفصلت و ( أين لنا لأجرا ) في الشعراء و ( أإله ) في خمسة [ ص: 370 ] مواضع : النمل و ( أينا لتاركوا ، وأينك لمن ، وأيفكا ) ثلاثتها في الصافات و ( أيذا متنا ) في ق .

                                                          واختلفوا في الثانية منهما وتحقيقها وإدخال ألف بينهما ، فسهلها بين بين - أي بين الهمزة والياء - نافع ، 55 وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر ، ورويس ، وحققها الكوفيون ، وابن عامر وروح ، واختلف عن رويس في حرف الأنعام ، وعن هشام في حرف فصلت ، أما حرف الأنعام وهو ( أينكم لتشهدون ) فروى أبو الطيب ، عن رويس تحقيقه خلافا لأصله ، ونص أبو العلاء في غايته على التخيير فيه له بين التسهيل والتحقيق : وأما حرف فصلت وهو ( أينكم لتكفرون ) فجمهور المغاربة عن هشام على التسهيل خلافا لأصله ، وممن نص له على التسهيل وجها واحدا صاحب " التيسير " ، و " الكافي " ، و " الهداية " ، و " التبصرة " ، و " تلخيص العبارات " ، وابنا غلبون ، وصاحب " المبهج " ، وصاحب " العنوان " ، وكل من روى تسهيله فصل بألف قبله كما سيأتي ، وجمهور العراقيين عنه على التحقيق ، وممن نص عليه وجها واحدا على أصله ولم يذكر عنه فيه تسهيلا ابن شيطا وابن سوار وابن فارس وأبو العز وأبو علي البغدادي ، وابن الفحام والحافظ أبو العلاء ، ونص على الخلاف فيه خاصة أبو القاسم الشاطبي ، والصفراوي ، ومن قبلهما الحافظ أبو عمرو الداني في " جامع البيان " . وفصل بين الهمزتين بألف في جميع الباب أبو عمرو وأبو جعفر وقالون ، واختلف عن هشام ، فروى عنه الفصل في الجميع الحلواني من طريق ابن عبدان ، من طريق صاحب " التيسير " من قراءته على أبي الفتح ، ومن طريق أبي العز صاحب " الكفاية " ، ومن طريق أبي عبد الله الجمال ، عن الحلواني ، وهو الذي في " التجريد " عنه ، وهو المشهور عن الحلواني عند جمهور العراقيين كابن سوار وابن فارس وأبي علي البغدادي ، وابن شيطا وغيرهم . وهي طريق الشذائي عن الداجوني كما هو في " المبهج " ، وغيره ، وعليه نص الداني عن الداجوني ، وبه قطع الحافظ أبو العلاء ، من طريق الحلواني والداجوني ، وهو أحد الوجهين في " الشاطبية " . وروى عنه القصر - وهو [ ص: 371 ] ترك الفصل في الباب كله - الداجوني عند جمهور العراقيين وغيرهم ، كصاحب " المستنير " ، و " التذكار " ، و " الجامع " ، و " الروضة " ، و " التجريد " ، و " الكفاية الكبرى " ، وغيرهم ، وهو الصحيح من طريق زيد عنه ، وهو الذي في " المبهج " من طريق الجمال عن الحلواني ، وذهب آخرون عن هشام إلى التفصيل ، ففصلوا بالألف في سبعة مواضع وتركوا الفصل في الآخر ، ففصلوا مما تقدم في أربعة مواضع وهي ( أين لنا ) في الشعراء و ( أينك ، وأيفكا ) في الصافات و ( أينكم ) في فصلت ، وهو الذي في " الهداية " ، و " الهادي " ، و " الكافي " ، و " التلخيص " ، و " التبصرة " ، و " العنوان " ، وهو الوجه الثاني في " الشاطبية " ، وبه قرأ الداني على أبي الحسن ، وسيأتي بقية ما فصلوا فيه في الضرب الثاني . ومما يلحق بهذا الباب من المتفق عليه بالاستفهام قوله تعالى في العنكبوت : ( أئنكم لتأتون الرجال ) وفي الواقعة : ( أإن ذكرتم ) في يس . أجمعوا على قراءته بالاستفهام ، إلا أن أبا جعفر ، قرأ بفتح الهمزة الثانية ، فيلحق بضرب الهمزة المفتوحة كما تقدم ، والباقون يكسرونها ، فيلحق عندهم بهذا الضرب ، وهم في هذه الثلاثة الأحرف على أصولهم المذكورة تحقيقا وتسهيلا وفصلا ، إلا أن أصحاب التفصيل عن هشام يفصلون بين الهمزتين في حرفي العنكبوت والواقعة ، ولا يفصلون في حرف يس ، والله أعلم .

                                                          ( والضرب الثاني ) المختلف فيه بين الاستفهام والخبر على قسمين : قسم مفرد تجيء الهمزتان فيه وليس بعدها مثلهما ، وقسم مكرر تجيء الهمزتان وبعدهما مثلهما .

                                                          فالقسم الأول خمسة أحرف : ( أينكم لتأتون الرجال ، أين لنا لأجرا ) وكلاهما في الأعراف ( أينك لأنت يوسف ) في يوسف ( أيذا ما مت ) في مريم ( أينا لمغرمون ) في الواقعة ، أما ( إنكم لتأتون ) في الأعراف ، فقرأه بهمزة واحدة على الخبر نافع وأبو جعفر وحفص ، والباقون بهمزتين على الاستفهام وهم على [ ص: 372 ] أصولهم المذكورة تسهيلا وتحقيقا وفصلا ، وأما ( أين لنا لأجرا ) فقرأه على الخبر نافع وابن كثير وأبو جعفر وحفص ، والباقون على الاستفهام ، وهم على أصولهم ، وهما من المواضع السبعة اللاتي يفصل فيها عن الحلواني عن هشام أصحاب التفصيل ، وأما ( أينك لأنت يوسف ) فقرأه بهمزة واحدة على الخبر ابن كثير وأبو جعفر ، والباقون بهمزتين على الاستفهام ، وهم على أصولهم ، وأما ( أيذا ما مت ) فاختلف فيه عن ابن ذكوان ، فرواه عنه بهمزة واحدة على الخبر الصوري من جميع طرقه غير الشذائي عنه ، وهو الذي عليه جمهور العراقيين من طريقه ، وابن الأخرم عن الأخفش عنه من طريق " التبصرة " ، و " الهداية " ، و " الهادي " ، و " تلخيص العبارات " ، و " الكافي " ، وابن غلبون ، وجمهور المغاربة ، وبه قرأ الداني على شيخه أبي الفتح فارس وأبي الحسن طاهر ، ورواه عنه النقاش ، عن الأخفش عنه بهمزتين على الاستفهام ، وذلك من جميع طرقه من المغاربة ، والمصريين ، والشاميين ، والعراقيين ، والشذائي عن الصوري عنه ، وهو الذي في " التجريد " ، و " المبهج " ، و " الكامل " ، و غاية ابن مهران ، والوجهان جميعا عنه في " الشاطبية " ، و " الإعلان " ، و " ظاهر التيسير " ، ونص عليهما في " المفردات " ، و " جامع البيان " ، وبالاستفهام قرأ الداني على عبد العزيز الفارسي ، وبذلك قرأ الباقون ، وهم على أصولهم تحقيقا وتسهيلا وفصلا . وهذا الحرف تتمة السبعة التي يفصل فيها لهشام عن طريق الحلواني أصحاب التفصيل ، وأما ( أينا لمغرمون ) فرواه بهمزتين على الاستفهام أبو بكر ، وقرأه الباقون بهمزة على الخبر .

                                                          ( والقسم الثاني ) وهو المكرر من الاستفهامين نحو ( أيذا ، أينا ) وجملته أحد عشر موضعا من تسع سور في الرعد ( أيذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد ) وفي الإسراء موضعان ( أيذا كنا عظاما ورفاتا أينا لمبعوثون ) وفي المؤمنين ( أيذا متنا وكنا ترابا وعظاما أينا لمبعوثون ) وفي النمل ( أيذا كنا ترابا وآباؤنا أينا لمخرجون ) وفي العنكبوت ( أينكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أينكم لتأتون الرجال ) [ ص: 373 ] وفي " الم السجدة " ( أيذا ضللنا في الأرض أينا لفي ) وفي الصافات موضعان ، الأول ( أيذا متنا وكنا ترابا وعظاما أينا لمدينون ) وفي الواقعة ( أيذا متنا وكنا ترابا وعظاما أينا لمبعوثون ) وفي النازعات ( أينا لمردودون في الحافرة أيذا كنا عظاما نخرة ) فتصير بحكم التكرير اثنين وعشرين حرفا . فاختلفوا في الإخبار بالأول منهما ، والاستفهام في الثاني ، وعكسه ، والاستفهام فيهما ، فقرأ ابن عامر وأبو جعفر بالإخبار في الأول والاستفهام في الثاني من موضع الرعد ، وموضعي الإسراء ، وفي المؤمنون ، والسجدة ، والثاني من الصافات ، وقرأ نافع والكسائي ويعقوب في هذه المواضع الستة بالاستفهام في الأول ، والإخبار في الثاني ، وقرأ الباقون بالاستفهام فيهما ، وأما موضع النمل ، فقرأه نافع وأبو جعفر بالإخبار في الأول والاستفهام في الثاني ، وقرأه ابن عامر والكسائي بالاستفهام في الأول والإخبار في الثاني مع زيادة نون فيه ، فيقولان ( أينا لمخرجون ) ، وقرأ الباقون بالاستفهام فيهما ، وانفرد سبط الخياط في " المبهج " عن الكارزيني عن النخاس ، عن رويس بالإخبار في الأول والاستفهام في الثاني كقراءة نافع وأبي جعفر ، فخالف سائر الرواة عن رويس ، وأما موضع العنكبوت فقرأ نافع وأبو جعفر وابن كثير ، وابن عامر ، ويعقوب وحفص بالإخبار في الأول ، وقرأ الباقون بالاستفهام ، وهم أبو عمرو وحمزة ، والكسائي ، وخلف وأبو بكر ، وأجمعوا على الاستفهام في الثاني ، وأما الموضع الأول من الصافات فقرأه ابن عامر بالإخبار في الأول والاستفهام في الثاني ، وقرأه نافع ، والكسائي وأبو جعفر ويعقوب بالاستفهام في الأول والإخبار في الثاني ، وقرأ الباقون بالاستفهام فيهما ، وأما موضع الواقعة فقرأه أيضا نافع ، والكسائي وأبو جعفر ، ويعقوب بالاستفهام في الأول والإخبار في الثاني ، وقرأه الباقون بالاستفهام فيهما ، فلا خلاف عنهم في الاستفهام في الأول ، وأما موضع النازعات فقرأه أبو جعفر بالإخبار في الأول [ ص: 374 ] والاستفهام في الثاني ، وقرأه نافع ، وابن عامر ، والكسائي ، ويعقوب بالاستفهام في الأول والإخبار في الثاني ، وقرأه الباقون بالاستفهام فيهما . وكل من استفهم في حرف من هذه الاثنين والعشرين ، فإنه في ذلك على أصله من التحقيق والتسهيل وإدخال الألف ، إلا أن أكثر الطرق عن هشام على الفصل بالألف في هذا الباب أعني الاستفهامين ، وبذلك قطع له صاحب " التيسير " ، و " الشاطبية " ، وسائر المغاربة وأكثر المشارقة ، كابن شيطا وابن سوار وأبي العز ، والهمداني ، وغيرهم ، وذهب آخرون إلى إجراء الخلاف عنه في ذلك كما هو مذهبه في سائر هذا الضرب ، منهم الأستاذ أبو محمد سبط الخياط وأبو القاسم الهذلي ، والصفراوي وغيرهم ، وهو الظاهر قياسا ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية