الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب الحجامة من الشقيقة والصداع

                                                                                                                                                                                                        5374 حدثني محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن هشام عن عكرمة عن ابن عباس احتجم النبي صلى الله عليه وسلم في رأسه وهو محرم من وجع كان به بماء يقال له لحي جمل وقال محمد بن سواء أخبرنا هشام عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم في رأسه من شقيقة كانت به

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب الحجامة من الشقيقة والصداع ) أي بسببهما ، وقد سقطت هذه الترجمة من رواية النسفي ، وأورد ما فيها في الذي قبله ، وهو متجه . والشقيقة بشين معجمة وقافين وزن عظيمة : وجع يأخذ في أحد جانبي الرأس أو في مقدمه ، وذكر أهل الطب أنه من الأمراض المزمنة ، وسببه أبخرة مرتفعة أو أخلاط حارة أو باردة ترتفع إلى الدماغ ، فإن لم تجد منفذا أحدث الصداع ، فإن مال إلى أحد شقي الرأس أحدث الشقيقة ، وإن ملك قمة الرأس أحدث داء البيضة . وذكر الصداع بعده من العام بعد الخاص . وأسباب الصداع كثيرة جدا : منها ما تقدم ، ومنها ما يكون عن ورم في المعدة أو في عروقها ، أو ريح غليظة فيها أو لامتلائها ، ومنها ما يكون من الحركة العنيفة كالجماع والقيء والاستفراغ أو السهر أو كثرة الكلام ، ومنها ما يحدث عن الأغراض النفسانية كالهم والغم والحزن والجوع والحمى ، ومنها ما يحدث عن حادث في الرأس كضربة تصيبه ، أو ورم في صفاق الدماغ ، أو حمل شيء ثقيل يضغط الرأس ، أو تسخينه بلبس شيء خارج عن الاعتدال ، أو تبريده بملاقاة الهواء أو الماء في البرد . وأما الشقيقة بخصوصها فهي في شرايين الرأس وحدها ، وتختص بالموضع الأضعف من الرأس ; وعلاجها بشد العصابة وقد أخرج أحمد من حديث بريدة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ربما أخذته الشقيقة ; فيمكث اليوم واليومين لا يخرج الحديث . وتقدم في الوفاة النبوية حديث ابن عباس خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد عصب رأسه .

                                                                                                                                                                                                        ( عن هشام ) هو ابن حسان ، وقوله : " من وجع " كان قد بينه في الرواية التي بعد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال محمد بن سواء ) بمهملة ومد هو السدوسي ، واسم جده عنبر بمهملة ونون وموحدة ; بصري يكنى أبا الخطاب ، ما له في البخاري سوى حديث موصول مضى في المناقب ; وآخر يأتي في الأدب وهذا المعلق ، وقد وصله الإسماعيلي قال : " حدثنا أبو يعلى حدثنا محمد بن عبد الله الأزدي حدثنا محمد بن سواء " فذكره سواء . وقد اتفقت هذه الطرق عن ابن عباس أنه احتجم - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم في رأسه ، ووافقها حديث ابن بحينة ، وخالف ذلك حديث أنس : فأخرج أبو داود والترمذي في " الشمائل " والنسائي وصححه [ ص: 163 ] ابن خزيمة وابن حبان من طريق معمر عن قتادة عنه قال ، احتجم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم على ظهر القدم من وجع كان به " ، ورجاله رجال الصحيح ; إلا أن أبا داود حكى عن أحمد أن سعيد بن أبي عروبة رواه عن قتادة فأرسله ، وسعيد أحفظ من معمر ، وليست هذه بعلة قادحة ، والجمع بين حديثي ابن عباس وأنس واضح بالحمل على التعدد ; أشار إلى ذلك الطبري . وفي الحديث أيضا جواز الحجامة للمحرم وأن إخراجه الدم لا يقدح في إحرامه ، وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الحج ، وحاصله أن المحرم إن احتجم وسط رأسه لعذر جاز مطلقا ، فإن قطع الشعر وجبت عليه الفدية ، فإن احتجم لغير عذر وقطع حرم ; والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية