الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون .

                                                          أي: إن هذه الأصنام فوق أنها لا تضر ولا تنفع، ولا تنصر أحدا، ولا ينصرون أنفسهم إذا رامها عدوها السوء - لا تجيب نداء، ولا ترد دعاء، ولذا قال تعالى: وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم وهذا لا يخلو من تهكم؛ لأن الأحجار لا تعقل ولا تدرك، فلا يتصور منها ضلال أو هداية، إنما ذلك لصاحب العقل الذي يرشد أو يضل، وأصل العقل ليس قائما فيهم.

                                                          وإنه سواء عليكم أقلتم أم لم تقولوا فهم لا يسمعون قولا، ولا يردون قولا، ولذا قال تعالى: سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون

                                                          أي أنه يستوي دعوتهم بألسنتكم أم صمتكم عنهم، وعبر في الجملة الأولى بالفعل الماضي أدعوتموهم وعبر عن المعادلة الثانية بالجملة الاسمية أنتم صامتون لأن الأصل هو الصمت، ولأن الصمت أولى; لأنه هو الجدير بالأخذ في هذا المقام، إذ القول لغو، وصون اللسان عن اللغو أولى؛ ولأن الأوثان غير جديرة لأنها أحجار، والخطاب شأن العقول.

                                                          ساق كتاب السير والصحاح أنه روي أن معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن جبل - رضي الله عنهما - وكانا شابين قد أسلما لما قدم رسول الله المدينة، فكانا يعدوان في الليل على أصنام المشركين يكسرانها ويتلفانها؛ ليعتبر قومهما بذلك، ولم يؤثروا لأنفسهم، فكان لعمرو بن الجموح - وكان سيدا في قومه - صنم يعبده، ويطيبه، فكانا يجيئان في الليل، فينكسانه على رأسه ويلطخانه [ ص: 3034 ] بالعذرة، فيجيء عمرو بن الجموح فيرى ما صنعا به فيغسله ويطيبه ويضع عنده سيفا، ويقول له: انتصر، ثم يعود لمثل ما صنعوا، ويعود لمثل صنيعه أيضا، حتى أخذاه مرة فقرناه مع كلب ميت ودلياه في حبل في بئر هناك، فلما جاء عمرو بن الجموح ورأى ذلك نظر فعلم أن ما كان عليه من الدين باطل، وقال:


                                                          تالله لو كنت إلها مستدن لم تك والكلب جميعا في قرن



                                                          هذه صورة من صور الوثنية.

                                                          ولقد أدرك عمرو بن الجموح الدين الحق فأسلم وحسن إسلامه، واستشهد يوم أحد.

                                                          تدرج الله تعالى مستنكرا لعبادتهم من أدنى حال متصورة لهم إلى أعلاها، فذكر أنها أحجار لا تضر ولا تنفع ولا تستطيع لأحد نصرا ولا تنصر نفسها، ثم صور لهم أنها تنادى فلا تجيب لأنها لا حياة فيها، إنما يجيب النداء الأحياء ولو كانت تنعق،

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية