الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2391 باب الخطإ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي هذا باب في بيان حكم الخطأ والنسيان في العتق والطلاق ، والخطأ ضد العمد فقال الجوهري : الخطأ نقيض الصواب ، وقد يمد ، وقرئ بهما في قوله تعالى : ومن قتل مؤمنا خطأ تقول : أخطأت وتخطأت بمعنى واحد ، ولا يقال : أخطيت ، وقال ابن الأثير : وأخطأ يخطئ إذا سلك سبيل الخطأ عمدا أو سهوا ، ويقال : خطئ بمعنى أخطأ أيضا ، وقيل : خطئ إذا تعمد ، وأخطأ إذا لم يتعمد ، ويقال لمن أراد شيئا ففعل غيره أو فعل غير الصواب : أخطأ ، والنسيان خلاف الذكر والحفظ ، ورجل نسيان بفتح النون كثير النسيان للشيء ، وقد نسيت الشيء نسيانا ، وعن أبي عبيدة : النسيان الترك ، قال تعالى : نسوا الله فنسيهم وقد ذكرت في شرح معاني الآثار الذي ألفته أن الخطأ في الاصطلاح هو الفعل من غير قصد تام ، والنسيان معنى يزول به العلم من الشيء مع كونه ذاكرا لأمور كثيرة ، وإنما قيل ذلك احترازا عن النوم ، والجنون ، والإغماء ، وقيل : النسيان عبارة عن الجهل الطارئ ، ويقال : المأتي به إن كان على جهة ما ينبغي فهو الصواب ، وإن كان لا على ما ينبغي نظر فإن كان مع قصد من الآتي به يسمى الغلط ، وإن كان من غير قصد منه فإن كان يتنبه بأيسر تنبيه يسمى السهو ، وإلا يسمى الخطأ ، قوله : " ونحوه " أي نحو ما ذكر من العتاقة ، والطلاق من الأشياء التي يريد الرجل أن يتلفظ بشيء منها فيسبق لسانه إلى غيره ، وقال بعضهم : " ونحوه " أي من التعليقات ، قلت : هذا التفسير ليس بظاهر ، ولا له معنى يفيد صورة الخطأ في العتاق إن أراد التلفظ بشيء فسبق لسانه فقال لعبده : أنت حر ، وكذلك في الطلاق قال لامرأته : أنت طالق ، بعد أن أراد التلفظ بشيء ، وقال أصحابنا : طلاق الخاطئ ، والناسي ، والهازل ، واللاعب ، والذي يكلم به من غير قصد واقع ، وصورة الناسي فيما إذا حلف ونسي ، وقال الداودي : النسيان لا يكون في الطلاق ، ولا العتاق إلا أن يريد أنه حلف بهما على فعل شيء ، ثم نسي يمينه وفعله فهذا إنما يوضع فيه النسيان إذا لم يذكر فيه يمينه كما توضع الصلاة عمن نسيها إذا لم يذكرها حتى يموت ، وكذلك ديون الناس ، وغيرها لا يأثم بتركها ناسيا قال ابن التين : هذا من الداودي على مذهب مالك رحمه الله تعالى ، وفي التوضيح : وقد اختلف العلماء في الناسي في يمينه هل يلزمه حنث أم لا ؟ على قولين ، أحدهما : لا ، وهو قول عطاء ، وأحد قولي الشافعي وبه قال إسحاق ، وإليه ذهب البخاري في الباب ، وثانيهما : وهو قول الشعبي ، وطاوس : من أخطأ في الطلاق فله نيته ، وفيه قول ثالث : يحنث في الطلاق خاصة ، قاله أحمد ، وذهب مالك ، والكوفيون إلى أنه يحنث في الخطأ أيضا ، وادعى ابن بطال أنه الأشهر [ ص: 87 ] عن الشافعي ، وروي ذلك عن أصحاب ابن مسعود ، واختلف ابن القاسم وأشهب فيما إذا دعا رجل عبدا يقال له : ناصح ، فأجابه عبد يقال له : مرزوق ، فقال له : أنت حر ، وهو يظن الأول ، وشهد عليه بذلك ، فقال ابن القاسم : يعتقان جميعا ، مرزوق بمواجهته بالعتق ، وناصح بما نواه ، وأما فيما بينه وبين الله فلا يعتق إلا ناصح ، وقال ابن القاسم : إن لم يكن له عليه بينة لم يعتق إلا الذي نوى ، وقال أشهب : يعتق مرزوق فيما بينه وبين الله تعالى ، وفيما بينه وبين الله لا يعتق ناصح ، لأنه دعاه ليعتقه فأعتق غيره ، وهو يظنه مرزوقا .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية