الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الخامسة : ثم قال بعد ذلك : { وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم } يعني : في الوأد للبنات مخافة السباء وعدم الحاجة وما حرمن من النصرة ، كما كانت الجاهلية تفعله .

                                                                                                                                                                                                              وقيل : كما فعل عبد المطلب حين نذر ذبح ولده عبد الله .

                                                                                                                                                                                                              وحقيقة التزيين إظهار الجميل ، وإخفاء القبيح ، وقد يتغلب بخذلان الله للعبد ، كما يتحقق بتوفيقه له . ومن الباطل الذي ارتكبوه بتزيين الشيطان تصويره عندهم جواز أكل الذكور من القرابين ، ومنع الإناث من أكلها ، كالأولاد والألبان ، وكان تفضيلهم للذكور لأحد وجهين ، أو بمجموعهما :

                                                                                                                                                                                                              إما لفضل الذكر في نفسه على الأنثى ، وإما لأن الذكور كانوا سدنة بيوت الأصنام ; فكانوا يأكلون مما جعل لهم منها ; وذلك كله تعد في الأفعال ، وابتداء في الأقوال ، وعمل بغير دليل من الشرع ; ولذلك أنكر جمهور من الناس على أبي حنيفة القول بالاستحسان وهي :

                                                                                                                                                                                                              المسألة السادسة : فقالوا : إنه يحرم ويحلل بالهوى من غير دليل ، وما كان ليفعل ذلك أحد من أتباع المسلمين ، فكيف أبو حنيفة ، وعلماؤنا من المالكية كثيرا ما يقولون : القيام كذا في مسألة ، والاستحسان كذا ، والاستحسان عندنا وعند الحنفية هو العمل بأقوى الدليلين .

                                                                                                                                                                                                              وقد بينا ذلك في مسائل الخلاف .

                                                                                                                                                                                                              نكتته المجزئة هاهنا أن العموم إذا استمر والقياس إذا اطرد فإن مالكا وأبا حنيفة يريان تخصيص العموم بأي دليل كان من [ ص: 279 ] ظاهر أو معنى ، ويستحسن مالك أن يخص بالمصلحة ، ويستحسن أبو حنيفة أن يخص بقول الواحد من الصحابة الوارد بخلاف القياس .

                                                                                                                                                                                                              ويرى مالك وأبو حنيفة تخصيص القياس ببعض العلة ، ولا يرى الشافعي العلة الشرع إذا ثبت تخصيصا ، ولم يفهم الشريعة من لم يحكم بالمصلحة ولا رأى تخصيص العلة ، وقد رام الجويني رد ذلك في كتبه المتأخرة التي هي نخبة عقيدته ونخيلة فكرته فلم يستطعه ، وفاوضت الطوسي الأكبر في ذلك وراجعته حتى وقف ، وقد بينت ذلك في المحصول والاستيفاء بما في تحصيله شفاء إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                              فإن قال أصحاب الشافعي : فقد تاخمتم هذه المهواة ، وأشرفتم على التردي في المغواة ; فإنكم زعمتم أن اليمين يحرم الحلال ويقلب الأوصاف الشرعية ، ونحن براء من ذلك ؟ قلنا : هيهات ، ما حرمنا إلا ما حرم الله ، ولا قلنا إلا ما قال الله ، ألم تسمعوا قوله : { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } ، وهي : المسألة السابعة : وسنبينها في سورة التحريم إن شاء الله .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية