الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6338 [ ص: 416 ] 7 - باب: عتق المدبر وأم الولد والمكاتب في الكفارة وعتق ولد الزنا

                                                                                                                                                                                                                              وقال طاوس : يجزئ المدبر وأم الولد.

                                                                                                                                                                                                                              6716 - حدثنا أبو النعمان، أخبرنا حماد بن زيد، عن عمرو، عن جابر أن رجلا من الأنصار دبر مملوكا له، ولم يكن له مال غيره، فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: " من يشتريه مني؟" فاشتراه نعيم بن النحام بثمانمائة درهم، فسمعت جابر بن عبد الله يقول: عبدا قبطيا مات عام أول. [انظر: 2141 - مسلم: 997 - فتح: 11 \ 600]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق فيه حديث جابر في بيع المدبر، وليس من الكفارة في شيء، إنما فيه جواز بيع المدبر ، إلا أن يقال: لو وجبت عليه كفارة لما وجد شيئا يكفر به إلا مدبره، أو يقال: لما جاز بيعه جاز عتقه في الكفارة وغيرها كما سيأتي بعد.

                                                                                                                                                                                                                              وأثر طاوس أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد فيه ليث عنه، أخرجه عن ابن علية عنه: يجزئ عتق المدبر في الكفارة وأم الولد في الظهار. وقد اضطربت روايته عن طاوس في الجواز وعدمه، فيقال: كيف علقه بصيغة الجزم، ولعل له طريقا آخر غيره.

                                                                                                                                                                                                                              وممن قال بقول طاوس فيما ذكره ابن أبي شيبة الحسن في المدبر، وبقوله في أم الولد إبراهيم وعلي .

                                                                                                                                                                                                                              وخالف في ذلك الزهري والشعبي والحسن وحماد ، وخالف في المدبر الزهري وإبراهيم والشعبي .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 417 ] واختلف العلماء في هذا الباب، فقال مالك : لا يجوز أن يعتق في الرقاب الواجبة مكاتب ولا مدبر ولا أم الولد، ولا يعتق إلى سنين، وهو قول الكوفيين والأوزاعي والشافعي ، إلا أن الشافعي أجاز عتق المدبر (وكذا أبو ثور ، وقال الأوزاعي وأصحاب الرأي وأبو عبيد: لا يجزئه) وإن الكوفيين والأوزاعي قالوا: إن كان المكاتب قد أدى شيئا من كتابته فلا يجوز عتقه في الكفارة، وإن لم يؤد شيئا جاز عتقه، وبه قال الليث وأحمد وإسحاق ، وفيه قول ثالث: أن عتقه يجزئ وإن أدى بعض كتابته; لأنه عبد ما بقي عليه درهم، فهو يباع. وقد اشترت عائشة بريرة بأمر الشارع، هذا قول أبي ثور .

                                                                                                                                                                                                                              وحجة مالك ومن وافقه أن المكاتب والمدبر وأم الولد قد ثبت لهم عقد حرمة لا سبيل إلى رفعها، والله تعالى إنما ألزم عتق رقبة واجبة أن ينوي عتقها من غير عقد (حرية) تقدمت فيها قبل عتقه، قال تعالى فتحرير رقبة ولم يقل: بعض رقبة.

                                                                                                                                                                                                                              واحتج الشافعي بأن المدبر (يجزئ) عتقه في الكفارة بحديث جابر في الباب، فلما جاز بيعه جاز عتقه فيها وغيرها; لأنه لو كانت فيه شبهة الحرية لم يبعه الشارع، ويقضي به المالكيون بأن كثيرا ممن يجوز بيعه لا يجوز عتقه كالأعمى والمقعد وشبهه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال مالك والكوفيون : إنما بيع المدبر; لأن تدبيره كان سفها، وكان من الإعلان بسوء النظر لنفسه; فلذلك رده الشارع; لأن تدبيره كلا تدبير.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 418 ] وبه احتج بعض العلماء في جواز نقض أفعال السفيه قبل أن يولى عليه، وأما التدبير الصحيح بخلاف هذا، لا يجوز أن يباع من يثبت له ذلك; لأنه قد ثبت له شرط الحرية بعد الموت، وعبارة ابن التين : يحتمل أن يكون مديانا، فرد الدين تدبيره، إن كان تدبيرا معلقا نصفه إن كان: مت من مرضي هذا، قال: وقد اختلف عندنا إذا دبر في مرضه ولم يقل: إن مت من مرضي هذا، هل له أن يرجع عنه.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وأما عتق أم الولد في الرقاب الواجبة ففقهاء الأمصار -منهم مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأبو عبيد - على أنه لا يجوز عتقها في ذلك من أجل أنه قد ثبت لها شرط الحرية بعد موت سيدها على ما حكم به عمر بن الخطاب بحضرة الصحابة.

                                                                                                                                                                                                                              وما ذكره البخاري ، عن طاوس فيها هو قول النخعي والحسن البصري ، كما ذكره ابن بطال، وهو خلاف ما أسلفناه عن الحسن ، وحجتهم الإجماع على أن أحكامها في خراجها وحدودها أحكام أمة لا حرة.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وأما عتق ولد الزنا في الرقاب الواجبة فأجازه الفقهاء، روي ذلك عن عمر وعلي وعائشة ، وجماعة من الصحابة.

                                                                                                                                                                                                                              وقال عطاء والشعبي والنخعي : لا يجوز عتقه. وهو قول الأوزاعي ، وما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا: "إنه شر الثلاثة" فقد روي عن ابن عباس وعائشة إنكار ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 419 ] قال ابن عباس : لو كان شر الثلاثة لما استوفى بأمه حتى تضعه . وقالت عائشة : ما عليه من ذنب أبويه شيء، ثم قرأت ولا تزر وازرة وزر أخرى [الأنعام: 164] .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن المنذر : روينا عن فضالة بن عبيد وأبي هريرة : أجزأه، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وطاوس وإسحاق والشافعي وأحمد وأبو عبيد ، وبه نقول لدخوله في قوله تعالى فتحرير رقبة .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن من وجبت عليه كفارة يمين فأعتق عنها رقبة أن ذلك يجزئ عنه، واختلفوا في عتق غير المؤمنة عن الكفارة، فكان عطاء وإبراهيم وأصحاب الرأي يجيزونه، وقال مالك والشافعي وأبو عبيد والأوزاعي : لا يجزئه.

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا في رجل يعتق عبدا بينه وبين آخر عن رقبة عليه، فكان الشافعي وأبو ثور يقولان: لا يجزئه، وبه قال محمد بن الحسن وأبو يوسف : إذا كان موسرا، ويضمن لشريكه (حصته) وقال أبو حنيفة : لا يجزئه.

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يشتري من يعتق عليه من والد أو ولد ينوي بذلك العتق من كفارة عليه، فقال مالك والشافعي وأبو ثور : لا يجزئه.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 420 ] واختلفوا في عتق الصغير عن الرقاب الواجبة ، فكان الحسن يقول: يجزئ. وبه قال الزهري وعطاء والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد وأصحاب الرأي.

                                                                                                                                                                                                                              وقال مالك : من صام وصلى أحب إلي، وبه قال أحمد. قال ابن المنذر : وظاهر الآية الإجزاء، واجتمعوا أنه إذا كان أعمى أو مقعدا أو مقطوع اليدين، أو أشلهما أو الرجلين أنه لا يجزئ، وقال مالك : لا يجزئ العرج الشديد، وقال الشافعي : يجزئ الخفيف. وقال أصحاب الرأي: يجزئ مقطوع أحد اليدين وأحد الرجلين، ولا يجزئ ذلك في قول الشافعي وأبي ثور ، والنظر دال على ما قالوا، وأن ما أضر بالعمل إضرارا بينا لا يجزئ، وما لا يضر به إضرارا بينا يجزئ إذا كان قصدهم في ذلك العمل، ويجزئ الأخرس في قول الشافعي وأبي ثور ، ولا يجزئ في قول أصحاب الرأي، ولا يجزئ الجنون المطبق في قول مالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، وقال الشافعي : إذا كان يجن ويفيق يجزئ، وقال مالك : لا يجزئ. ولا يجوز عند مالك من أعتق إلى سنين، ويجزئ ذلك في قول الشافعي . ولا يجزئ في قول الشافعي والكوفي أن يعتق ما في بطن أمه. وقال أبو ثور : يجزئ، قال الثوري : إذا كان على الرجل كفارة رقبة، فقال لرجل: أعتق عني عبدي، فأعتق عنه أجزأ، وبه قال مالك والشافعي وأبو ثور ، وإن أعتقه بأمره على غير شيء ففي قول الشافعي : يجزئ، ويكون ولاؤه للمعتق عنه، وبه قال يعقوب ، وقال أبو ثور : يجزئ ذلك وولاؤه للذي أعتقه.

                                                                                                                                                                                                                              وفي قول أبي حنيفة : الولاء للمعتق، ولا يجزئ عن ذلك. وقال محمد : هذا أحب إلي، فإن اشترى عبدا شراء فاسدا فأعتقه عن واجب عليه لم [ ص: 421 ] يجزه في قول الشافعي وأبي ثور ، وقال أصحاب الرأي: عتقه جائز، ويجزئ عنه إذا قبضه. قال ابن المنذر : لا يجزئه; لأنه لم يملكه، وإن أعتق عبدا على مال أخذه من العبد لم يجزه عن الكفارة، ويعتق العبد في قول أبي ثور وأصحاب الرأي. قال الشافعي وأبو ثور : وأمور كفارات الأيمان تخرج من رأس مال الميت. وقال أصحاب الرأي: تكون من الثلث.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية