باب العاقلة هل تعقل العمد قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان وقد قدمنا تأويل من تأوله على عفو بعض الأولياء عن نصيبه من الدم ، ووجوب الأرش للباقين ، واحتمال اللفظ لذلك ، وفيه دلالة على أن الواجب على القاتل الذي لم يعف في ماله ، وكذلك كل عمد فيه القود فهو على الجاني في ماله ، كالأب إذا قتل ابنه ، وكالجراحة فيما دون النفس ، ولا يستطاع فيها القصاص نحو قطع اليد من نصف الساعد ، والمنقلة والجائفة ، فالعامد والمخطئ إذا قتلا أن على العامد نصف الدية في ماله ، والمخطئ على عاقلته ، وهو قول أصحابنا
nindex.php?page=showalam&ids=16542وعثمان البتي nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب ،
nindex.php?page=showalam&ids=16337وابن القاسم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : " هي على العاقلة " وهو آخر قول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16337ابن القاسم : "
nindex.php?page=treesubj&link=9354_23610_9178، ولو قطع يمين رجل ، ولا يمين له كانت دية اليد في ماله ، ولا تحملها العاقلة " . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : " هو في مال الجاني فإن لم يبلغ ذلك ماله حمل على عاقلته ، وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=9276_9292_9354إذا قتلت المرأة زوجها متعمدة ، ولها منه أولاد فديته في مالها خاصة ، فإن لم يبلغ ذلك مالها حمل على عاقلتها " قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : دلالة الآية ظاهرة على أن
nindex.php?page=treesubj&link=9298_9354_9292_9276_9268الصلح عن دم العمد ، وسقوط القود بعفو بعض الأولياء يوجب الدية في مال الجاني ؛ لأنه تعالى قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178فمن عفي له من أخيه شيء وهو يعني القاتل إذا كان المعنى عفو بعض الأولياء ، ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178فاتباع بالمعروف يعني اتباع الولي للقاتل ، ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178وأداء إليه بإحسان يعني أداء القاتل ،
[ ص: 196 ] فاقتضى ذلك وجوبه في مال القاتل . وكذلك تأويل من تأوله على التراضي عن الصلح على مال ففيه وجوب الأداء على القاتل دون غيره ، إذ ليس للعاقلة ذكر في الآية ، وإنما فيها ذكر الولي والقاتل .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12458ابن أبي الزناد عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=16523عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : لا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا .
وحدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13433عبد الباقي قال : حدثنا
أحمد بن الفضل الخطيب قال : حدثنا
إسماعيل بن موسى قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16101شريك عن
جابر بن عامر قال : " اصطلح المسلمون على أن لا يعقلوا عبدا ولا عمدا ولا صلحا ولا اعترافا " .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في قصة
قتادة بن عبد الله المدلجي الذي قتل ابنه : " أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر جعل عليه مائة من الإبل ، وأعطاها إخوته ، ولم يورثه منها شيئا " فجعل ذلك في ماله لما كان عمدا ، ولما ثبت ذلك في النفس ، ولم يخالف
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فيه غيره من الصحابة كان كذلك حكم ما دونها إذا سقط القصاص . ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه قال : " ليس على العاقلة عقل في عمد وإنما عليهم الخطأ " وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة أيضا : " ما كان من صلح فلا تعقله العشيرة إلا أن تشاء " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : " كل شيء لا يقاد منه فهو في مال الجاني " . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة عن
nindex.php?page=showalam&ids=15741حماد عن
إبراهيم : " لا تعقل العاقلة صلحا ولا عمدا ولا اعترافا " .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=179ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب فيه إخبار من الله تعالى في إيجاب القصاص حياة للناس وسببا لبقائهم ؛ لأن من قصد قتل إنسان رده عن ذلك علمه بأنه يقتل به . ودل على وجوب القصاص عموما بين الحر والعبد والرجل والمرأة والمسلم والذمي ؛ إذ كان الله تعالى مريدا لتبقية الجميع ، فالعلة الموجبة للقصاص بين الحرين المسلمين موجودة في هؤلاء ، فوجب استواء الحكم في جميعهم .
وتخصيصه لأولي الألباب بالمخاطبة غير ناف مساواة غيرهم لهم في الحكم ؛ إذ كان المعنى الذي حكم من أجله في ذوي الألباب موجودا في غيرهم ، وإنما وجه تخصيصه لهم أن ذوي الألباب هم الذين ينتفعون بما يخاطبون به ، وينتهون إلى ما يؤمرون به ، ويزدجرون عما يزجرون عنه . وهذا كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=45إنما أنت منذر من يخشاها هو منذر لجميع المكلفين ، ألا ترى إلى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد ونحو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هدى للمتقين وهو هدى للجميع ، وخص المتقين لانتفاعهم به ، ألا ترى إلى قوله في آية أخرى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس ؟ فعم الجميع به . وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا لأن التقي هو الذي يعيذ من استعاذ بالله . وقد ذكر عن
[ ص: 197 ] بعض الحكماء أنه قال : " قتل البعض إحياء الجميع " .
وعن غيره : " القتل أقل للقتل " و " أكثروا القتل ليقل القتل " وهو كلام سائر على ألسنة العقلاء ، وأهل المعرفة ، وإنما قصدوا المعنى الذي في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=179ولكم في القصاص حياة ثم إذا مثلت بينه وبينه وجدت بينهما تفاوتا بعيدا من جهة البلاغة ، وصحة المعنى .
وذلك يظهر عند التأمل من وجوه :
أحدها : أن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=179في القصاص حياة هو نظير قولهم : " قتل البعض إحياء للجميع . والقتل أقل للقتل " وهو مع قلة عدد حروفه ونقصانها عما حكي عن الحكماء قد أفاد من المعنى الذي يحتاج إليه ، ولا يستغني عنه الكلام ما ليس في قولهم ؛ لأنه ذكر القتل على وجه العدل لذكره القصاص ، وانتظم مع ذلك الغرض الذي إليه أجري بإيجابه القصاص ، وهو الحياة .
وقولهم : " القتل أقل للقتل " " وقتل البعض إحياء الجميع " و " القتل أنفى للقتل " إن حمل على حقيقته لم يصح معناه ؛ لأنه ليس كل قتل هذه صفته ، بل ما كان منه على وجه الظلم والفساد ، فليست هذه منزلته ، ولا حكمه .
فحقيقة هذا الكلام غير مستعملة ، ومجازه يحتاج إلى قرينة وبيان في أن أي قتل هو إحياء للجميع . فهذا كلام ناقص البيان مختل المعنى غير مكتف بنفسه في إفادة حكمه ، وما ذكره الله تعالى من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=179ولكم في القصاص حياة مكتف بنفسه مفيد لحكمه على حقيقته من مقتضى لفظه مع قلة حروفه ، ألا ترى أن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=179في القصاص حياة أقل حروفا من قولهم : " قتل البعض إحياء للجميع " و " القتل أقل للقتل ، وأنفى للقتل " ؟
ومن جهة أخرى يظهر فضل بيان قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=179في القصاص حياة على قولهم : " القتل أقل للقتل ، وأنفى للقتل " أن في قولهم تكرار اللفظ ، وتكرار المعنى بلفظ غيره أحسن في حد البلاغة ، أنه يصح تكرار المعنى الواحد بلفظين مختلفين في خطاب واحد ، ولا يصح مثله بلفظ واحد نحو قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=27وغرابيب سود ونحو قول الشاعر :
وألفى قولها كذبا ومينا
كرر المعنى الواحد بلفظين ، وكان ذلك سائغا ، ولا يصح مثله في تكرار اللفظ . وكذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=179ولكم في القصاص حياة لا تكرار فيه مع إفادته للقتل من جهة القاتل ، إذ كان ذكر القصاص يفيد ذلك ، ألا ترى أنه لا يكون قصاصا إلا وقد تقدمه قتل من المقتص منه ؟ وفي قولهم ذكر للقتل وتكرار له في اللفظ ، وذلك نقصان في البلاغة ، فهذا وأشباهه مما يظهر به للمتأمل إبانة القرآن في جهة البلاغة والإعجاز من كلام البشر ؛ إذ ليس يوجد في كلام الفصحاء من جمع المعاني الكثيرة في الألفاظ اليسيرة مثل ما يوجد في كلام الله تعالى .
[ ص: 198 ]
بَابُ الْعَاقِلَةِ هَلْ تَعْقِلُ الْعَمْدَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا تَأْوِيلَ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى عَفْوِ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ عَنْ نَصِيبِهِ مِنَ الدَّمِ ، وَوُجُوبِ الْأَرْشِ لِلْبَاقِينَ ، وَاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْقَاتِلِ الَّذِي لَمْ يَعْفُ فِي مَالِهِ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ عَمْدٍ فِيهِ الْقَوَدُ فَهُوَ عَلَى الْجَانِي فِي مَالِهِ ، كَالْأَبِ إِذَا قَتَلَ ابْنَهُ ، وَكَالْجِرَاحَةِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ، وَلَا يُسْتَطَاعُ فِيهَا الْقِصَاصُ نَحْوُ قَطْعِ الْيَدِ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ ، وَالْمُنَقِّلَةِ وَالْجَائِفَةِ ، فَالْعَامِدُ وَالْمُخْطِئُ إِذَا قَتَلَا أَنَّ عَلَى الْعَامِدِ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ ، وَالْمُخْطِئُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16542وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابْنُ وَهْبٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16337وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ : " هِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ " وَهُوَ آخِرُ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16337ابْنُ الْقَاسِمِ : "
nindex.php?page=treesubj&link=9354_23610_9178، وَلَوْ قَطَعَ يَمِينَ رَجُلٍ ، وَلَا يَمِينَ لَهُ كَانَتْ دِيَةُ الْيَدِ فِي مَالِهِ ، وَلَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ " . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13760الْأَوْزَاعِيُّ : " هُوَ فِي مَالِ الْجَانِي فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ مَالُهُ حُمِلَ عَلَى عَاقِلَتِهِ ، وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=9276_9292_9354إِذَا قَتَلَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مُتَعَمِّدَةً ، وَلَهَا مِنْهُ أَوْلَادٌ فَدِيَتُهُ فِي مَالِهَا خَاصَّةً ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ مَالُهَا حُمِلَ عَلَى عَاقِلَتِهَا " قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11943أَبُو بَكْرٍ : دَلَالَةُ الْآيَةِ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=9298_9354_9292_9276_9268الصُّلْحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ ، وَسُقُوطَ الْقَوَدِ بِعَفْوِ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ يُوجِبُ الدِّيَةَ فِي مَالِ الْجَانِي ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ يَعْنِي الْقَاتِلَ إِذَا كَانَ الْمَعْنَى عَفْوَ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ ، ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ يَعْنِي اتِّبَاعَ الْوَلِيِّ لِلْقَاتِلِ ، ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ يَعْنِي أَدَاءَ الْقَاتِلِ ،
[ ص: 196 ] فَاقْتَضَى ذَلِكَ وُجُوبَهُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ . وَكَذَلِكَ تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهَ عَلَى التَّرَاضِي عَنِ الصُّلْحِ عَلَى مَالٍ فَفِيهِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ عَلَى الْقَاتِلِ دُونَ غَيْرِهِ ، إِذْ لَيْسَ لِلْعَاقِلَةِ ذِكْرٌ فِي الْآيَةِ ، وَإِنَّمَا فِيهَا ذِكْرُ الْوَلِيِّ وَالْقَاتِلِ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12458ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16523عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا .
وَحَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13433عَبْدُ الْبَاقِي قَالَ : حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَطِيبُ قَالَ : حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16101شَرِيكٌ عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : " اصْطَلَحَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنْ لَا يَعْقِلُوا عَبْدًا وَلَا عَمْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا " .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16709عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي قِصَّةِ
قَتَادَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُدْلِجِيِّ الَّذِي قَتَلَ ابْنَهُ : " أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ جَعَلَ عَلَيْهِ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ ، وَأَعْطَاهَا إِخْوَتَهُ ، وَلَمْ يُوَرِّثْهُ مِنْهَا شَيْئًا " فَجَعَلَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ لَمَّا كَانَ عَمْدًا ، وَلَمَّا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي النَّفْسِ ، وَلَمْ يُخَالِفْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ فِيهِ غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَ كَذَلِكَ حُكْمُ مَا دُونَهَا إِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ . ، وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=17245هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : " لَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَقْلٌ فِي عَمْدٍ وَإِنَّمَا عَلَيْهِمُ الْخَطَأُ " وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16561عُرْوَةُ أَيْضًا : " مَا كَانَ مِنْ صُلْحٍ فَلَا تَعْقِلُهُ الْعَشِيرَةُ إِلَّا أَنْ تَشَاءَ " .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةُ : " كُلُّ شَيْءٍ لَا يُقَادُ مِنْهُ فَهُوَ فِي مَالِ الْجَانِي " . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15741حَمَّادٍ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ : " لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ صُلْحًا وَلَا عَمْدًا وَلَا اعْتِرَافًا " .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=179وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ فِيهِ إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِيجَابِ الْقِصَاصِ حَيَاةً لِلنَّاسِ وَسَبَبًا لِبَقَائِهِمْ ؛ لِأَنَّ مَنْ قَصَدَ قَتْلَ إِنْسَانٍ رَدَّهُ عَنْ ذَلِكَ عِلْمُهُ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ . وَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ عُمُومًا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ ؛ إِذْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى مُرِيدًا لِتَبْقِيَةِ الْجَمِيعِ ، فَالْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلْقِصَاصِ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ مَوْجُودَةٌ فِي هَؤُلَاءِ ، فَوَجَبَ اسْتِوَاءُ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِهِمْ .
وَتَخْصِيصُهُ لِأُولِي الْأَلْبَابِ بِالْمُخَاطَبَةِ غَيْرُ نَافٍ مُسَاوَاةَ غَيْرِهِمْ لَهُمْ فِي الْحُكْمِ ؛ إِذْ كَانَ الْمَعْنَى الَّذِي حُكِمَ مِنْ أَجْلِهِ فِي ذَوِي الْأَلْبَابِ مَوْجُودًا فِي غَيْرِهِمْ ، وَإِنَّمَا وَجْهُ تَخْصِيصِهِ لَهُمْ أَنَّ ذَوِي الْأَلْبَابِ هُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِمَا يُخَاطَبُونَ بِهِ ، وَيَنْتَهُونَ إِلَى مَا يُؤْمَرُونَ بِهِ ، وَيَزْدَجِرُونَ عَمَّا يُزْجَرُونَ عَنْهُ . وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=45إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا هُوَ مُنْذِرٌ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ وَنَحْوِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هُدًى لِلْمُتَّقِينَ وَهُوَ هُدًى لِلْجَمِيعِ ، وَخَصَّ الْمُتَّقِينَ لِانْتِفَاعِهِمْ بِهِ ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ فِي آيَةٍ أُخْرَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ ؟ فَعَمَّ الْجَمِيعَ بِهِ . وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا لِأَنَّ التَّقِيَّ هُوَ الَّذِي يُعِيذُ مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ
[ ص: 197 ] بَعْضِ الْحُكَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ : " قَتْلُ الْبَعْضِ إِحْيَاءُ الْجَمِيعِ " .
وَعَنْ غَيْرِهِ : " الْقَتْلُ أَقَلُّ لِلْقَتْلِ " وَ " أَكْثِرُوا الْقَتْلَ لِيَقِلَّ الْقَتْلُ " وَهُوَ كَلَامٌ سَائِرٌ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعُقَلَاءِ ، وَأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ ، وَإِنَّمَا قَصَدُوا الْمَعْنَى الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=179وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ثُمَّ إِذَا مَثَّلْتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَجَدْتَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتًا بَعِيدًا مِنْ جِهَةِ الْبَلَاغَةِ ، وَصِحَّةِ الْمَعْنَى .
وَذَلِكَ يَظْهَرُ عِنْدَ التَّأَمُّلِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=179فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ هُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِمْ : " قَتْلُ الْبَعْضِ إِحْيَاءٌ لِلْجَمِيعِ . وَالْقَتْلُ أَقَلُّ لِلْقَتْلِ " وَهُوَ مَعَ قِلَّةِ عَدَدِ حُرُوفِهِ وَنُقْصَانِهَا عَمَّا حُكِيَ عَنِ الْحُكَمَاءِ قَدْ أَفَادَ مِنَ الْمَعْنَى الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ ، وَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الْكَلَامُ مَا لَيْسَ فِي قَوْلِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْقَتْلَ عَلَى وَجْهِ الْعَدْلِ لِذِكْرِهِ الْقِصَاصَ ، وَانْتَظَمَ مَعَ ذَلِكَ الْغَرَضَ الَّذِي إِلَيْهِ أُجْرِيَ بِإِيجَابِهِ الْقِصَاصَ ، وَهُوَ الْحَيَاةُ .
وَقَوْلُهُمْ : " الْقَتْلُ أَقَلُّ لِلْقَتْلِ " " وَقَتْلُ الْبَعْضِ إِحْيَاءُ الْجَمِيعِ " وَ " الْقَتْلُ أَنْفَى لِلْقَتْلِ " إِنْ حُمِلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ لَمْ يَصِحَّ مَعْنَاهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ قَتْلٍ هَذِهِ صِفَتُهُ ، بَلْ مَا كَانَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الظُّلْمِ وَالْفَسَادِ ، فَلَيْسَتْ هَذِهِ مَنْزِلَتَهُ ، وَلَا حُكْمَهُ .
فَحَقِيقَةُ هَذَا الْكَلَامِ غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ ، وَمَجَازُهُ يَحْتَاجُ إِلَى قَرِينَةٍ وَبَيَانٍ فِي أَنَّ أَيَّ قَتْلٍ هُوَ إِحْيَاءٌ لِلْجَمِيعِ . فَهَذَا كَلَامٌ نَاقِصُ الْبَيَانِ مُخْتَلُّ الْمَعْنَى غَيْرُ مُكْتَفٍ بِنَفْسِهِ فِي إِفَادَةِ حُكْمِهِ ، وَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=179وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ مُكْتَفٍ بِنَفْسِهِ مُفِيدٌ لِحُكْمِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ مِنْ مُقْتَضَى لَفْظِهِ مَعَ قِلَّةِ حُرُوفِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=179فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ أَقَلُّ حُرُوفًا مِنْ قَوْلِهِمْ : " قَتْلُ الْبَعْضِ إِحْيَاءٌ لِلْجَمِيعِ " وَ " الْقَتْلُ أَقَلُّ لِلْقَتْلِ ، وَأَنْفَى لِلْقَتْلِ " ؟
وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى يَظْهَرُ فَضْلُ بَيَانِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=179فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ عَلَى قَوْلِهِمْ : " الْقَتْلُ أَقَلُّ لِلْقَتْلِ ، وَأَنْفَى لِلْقَتْلِ " أَنَّ فِي قَوْلِهِمْ تَكْرَارَ اللَّفْظِ ، وَتِكْرَارُ الْمَعْنَى بِلَفْظِ غَيْرِهِ أَحْسَنُ فِي حَدِّ الْبَلَاغَةِ ، أَنَّهُ يَصِحُّ تَكْرَارُ الْمَعْنَى الْوَاحِدِ بِلَفْظَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي خِطَابٍ وَاحِدٍ ، وَلَا يَصِحُّ مِثْلُهُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=27وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَنَحْوُ قَوْلِ الشَّاعِرِ :
وَأَلْفَى قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَيْنًا
كَرَّرَ الْمَعْنَى الْوَاحِدَ بِلَفْظَيْنِ ، وَكَانَ ذَلِكَ سَائِغًا ، وَلَا يَصِحُّ مِثْلُهُ فِي تَكْرَارِ اللَّفْظِ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=179وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ لَا تَكْرَارَ فِيهِ مَعَ إِفَادَتِهِ لِلْقَتْلِ مِنْ جِهَةِ الْقَاتِلِ ، إِذْ كَانَ ذِكْرُ الْقِصَاصِ يُفِيدُ ذَلِكَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ قِصَاصًا إِلَّا وَقَدْ تَقَدَّمَهُ قَتْلٌ مِنَ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ ؟ وَفِي قَوْلِهِمْ ذِكْرٌ لِلْقَتْلِ وَتِكْرَارٌ لَهُ فِي اللَّفْظِ ، وَذَلِكَ نُقْصَانٌ فِي الْبَلَاغَةِ ، فَهَذَا وَأَشْبَاهُهُ مِمَّا يَظْهَرُ بِهِ لِلْمُتَأَمِّلِ إِبَانَةُ الْقُرْآنِ فِي جِهَةِ الْبَلَاغَةِ وَالْإِعْجَازِ مِنْ كَلَامِ الْبَشَرِ ؛ إِذْ لَيْسَ يُوجَدُ فِي كَلَامِ الْفُصَحَاءِ مَنْ جَمَعَ الْمَعَانِيَ الْكَثِيرَةَ فِي الْأَلْفَاظِ الْيَسِيرَةِ مِثْلَ مَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى .
[ ص: 198 ]