الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فصل: في المشددات ومراتبها

اعلم أن المشدد في القرآن كثير، وكل حرف مشدد بمنزلة حرفين في الوزن واللفظ، الأول منهما ساكن والثاني متحرك، فينبغي للقارئ أن يبين المشدد حيث وقع، ويعطيه حقه ليميزه من غيره.

قاعدة: ذكر صاحب "التجريد" فيما حكاه عن أبي إسحاق إبراهيم بن وثيق، أن المشددات على ثلاث مراتب:

الأولى: ما يشدد بلا خطرفة، وهو ما لا غنة فيه.

الثانية: ما يشدد بتراخ، قال: وهو ما يشدد وبقيت فيه غنة مع الإدغام، وهو إدغام الحرف الأول بكماله، وذلك لأجل الغنة.

[ ص: 205 ] الثالثة: ما يشدد بتراخي التراخي، وهو إدغام النون الساكنة والتنوين في الواو والياء، انتهى.

قلت: وهذا قول حسن، وتظهر فائدته في نحو قوله: {إن ربي على صراط مستقيم * فإن تولوا} [هود: 56، 57] فأبلغ التشديد على الياء ثم الواو.

وقال مكي في الرعاية: المدغمات على ثلاثة أضرب:

مدغم فيه زيادة مع الإدغام، وذلك نحو الراء المشددة، فيها إخفاء تكريرها مع الإدغام الذي فيها، قال: فهو زيادة من الإدغام وزيادة من التشديد.

قال: والثاني: إدغام لا زيادة فيه، وهو كل ما أدغم لا إخفاء معه، ولا إظهار غنة، ولا إطباق ولا استعلاء معه، نحو الياء من {ذرية} [البقرة: 266]، والياء والجيم من {لجي} [النور: 40]. قال: فهذا تشديد دون الراء المشددة لأجل زيادة الإخفاء للتكرير في الراء.

قال: والثالث مدغم فيه نقص من الإدغام، وذلك نحو ما ظهرت معه الغنة والإطباق والاستعلاء نحو: {من يؤمن} [التوبة: 99] و {أحطت} [النمل: 22] و {ألم نخلقكم} [المرسلات: 20] قال: فهذا التشديد دون تشديد [ ص: 206 ] الثاني الذي لا نقص معه في إدغامه ولا زيادة، انتهى.

قلت: وما قاله مكي ظاهر قوي، وتظهر فائدته في نحو قوله: {إن الله غفور رحيم} [البقرة: 173] فالتشديد على الراء أبلغ من اللام، وعلى اللام أبلغ من النون، ولكن لا بأس في الجمع بين القولين. وتظهر فائدة ذلك في نحو قوله: {سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا} [البقرة: 235] فأقوى التشديد على الراء ثم على اللام ثم على الميم ثم على الواو. غير أن اختياري في هذه القاعدة مطلقا التشديد على كل حرف شدد بحسب ما فيه من الصفات القوية والضعيفة.

التالي السابق


الخدمات العلمية