الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 590 ] الفصل الثالث

في بيان أوجه التكبير في مواطنه المعروفة

تختلف أوجه التكبير باختلاف المواطن في القرآن الكريم، وهذه المواطن ثلاثة وذلك بالنسبة لحفص عن عاصم ومن وافقه من القراء :

أولها : الابتداء من أول سورة الفاتحة وما بعدها إلى الابتداء بسورة الناس باستثناء الابتداء بأول براءة .

ثانيها : الجمع بين السورتين كالجمع بين آخر الفاتحة وأول البقرة إلى ما بين آخر الليل وأول الضحى باستثناء الجمع بين آخر الأنفال وأول براءة .

ثالثها : الجمع بين السورتين من آخر الضحى خاصة إلى آخر ما بين الناس وأول الفاتحة . ولكل موطن من هذه المواطن الثلاثة كلام خاص نفصله فيما يلي :

الكلام على الموطن الأول من مواطن التكبير وبيان الأوجه التي فيه

وهذا الموطن هو الخاص بالابتداء من أول سورة الفاتحة وما بعدها إلى أول سورة الناس . فإذا ابتدئ من أول سورة الفاتحة أو من أول أي سورة بعدها من سور التنزيل باستثناء أول براءة جاز لحفص في هذا المكان ثمانية أوجه على القول بالتكبير . وأما على القول بتركه فيجوز له أربعة أوجه فقط وهي أوجه الاستعاذة الأربعة المقترنة بأول السورة التي تقدمت في بابها، وحينئذ يكمل لحفص في هذا الموطن على كلا القولين - التكبير وعدمه - اثنا عشر وجها . وفيما يلي توضيح هذه الأوجه مع تقديم وجه عدم التكبير وفق مذهب الجمهور ووفقا لترتيب الأداء الذي قرأنا به وبه نقرئ .

الأول : قطع الجميع أي الوقف على الاستعاذة وعلى البسملة والابتداء بأول السورة .

الثاني : قطع الأول ووصل الثاني بالثالث أي الوقف على الاستعاذة ووصل [ ص: 591 ] البسملة بأول السورة . وهذان الوجهان بدون تكبير .

الثالث : قطع الجميع أيضا لكن مع التكبير وكيفيته الوقف على الاستعاذة وعلى التكبير وعلى البسملة والابتداء بأول السورة .

الرابع : مثل الثالث إلا أنه يوصل البسملة بأول السورة .

الخامس : الوقف على الاستعاذة ووصل التكبير بالبسملة مع الوقف عليها والابتداء بأول السورة .

السادس : الوقف على الاستعاذة ووصل التكبير بالبسملة بأول السورة .

فهذه ستة أوجه أتت على قطع الاستعاذة والستة الباقية تأتي على وصلها كذلك وتوضيحها كالآتي :

السابع : وصل الأول بالثاني وقطع الثالث أي وصل الاستعاذة بالبسملة مع الوقف عليها ثم الابتداء بأول السورة .

الثامن : وصل الجميع أي وصل الاستعاذة بالبسملة بأول السورة جملة واحدة من غير تكبير في هذين الوجهين .

التاسع : وصل الاستعاذة بالتكبير مع الوقف عليه وعلى البسملة والابتداء بأول السورة .

العاشر : مثل التاسع إلا أنه يوصل البسملة بأول السورة .

الحادي عشر : وصل الاستعاذة بالتكبير بالبسملة مع الوقف عليها والابتداء بأول السورة .

الثاني عشر : وصل الجميع أي وصل الاستعاذة بالتكبير بالبسملة بأول السورة جملة واحدة .

وقد أشار إلى هذه الأوجه الاثني عشر العلامة الخليجي في تيسير الأمر بقوله :


ففي استعاذة إذا بسورة قرنتها اثنان أتت مع عشرة     فاقطع وصل من غير تكبير وبه
وصله مع وقف ووصل وانتبه     وهذه الستة باستعاذة
في حال قطعها ووصلها اثبت

ا هـ

[ ص: 592 ] وهذه الأوجه الاثنا عشر تجوز لحفص عند الابتداء من أول سورة الفاتحة وما بعدها من السور إلى آخر القرآن الكريم باستثناء البدء من أول سورة براءة كما تقدم . وما ذكره العلامة الضباع في كتابيه " صريح النص " و " تذكرة الإخوان " من أن أوجه التكبير التي تجوز في الابتداء لحفص إنما تجوز من أول سورة الفاتحة وما بعدها إلى أول سورة الضحى فقط، فهو سبق قلم منه رحمه الله تعالى ولم أر وجها لذلك لأن القارئ قد يبتدئ من أول أي سورة من سور الختم بعد الضحى فكيف يكون حاله فهل يكبر أو ينتهي تكبيره عند الضحى كما قال لم أر فيما وقفت عليه من قال بقوله بل أطلق كلهم تعميم التكبير في الابتداء بسور القرآن كلهم عدا الابتداء بسورة براءة كما مر آنفا . ولعله أراد بانتهاء التكبير عند الضحى نظرا لجواز التهليل مع التكبير أو التهليل مع التكبير والتحميد ابتهاجا بختم القرآن على رأي بعض المتأخرين كما تقدم وهنا سترتقي أوجه الابتداء في هذا المحل من ثمانية أوجه على القول بالتكبير إلى أربعين وجها على القول نفسه كما سنوضحه بعد ولكن هذا بعيد لأنه لو أراده لنبه عليه وربما أراده وسها عن أن يقيده رحمه الله رحمة واسعة ورحمنا معه بفضله وكرمه آمين .

وأما الابتداء من أول سورة براءة فليس فيه تكبير لأحد وذلك لعدم وجود البسملة في أولها إذ من شرط التكبير اقترانه بالبسملة كما تقدم .

الكلام على الموطن الثاني من مواطن التكبير وبيان الأوجه التي فيه

وهذا الموطن هو الخاص بالجمع بين السورتين كالجمع بين آخر الفاتحة وأول البقرة وما بعدهما إلى آخر ما بين الليل وأول الضحى باستثناء آخر الأنفال وأول براءة . وهنا يجوز لحفص خمسة أوجه على القول بالتكبير وأما على القول بتركه فيجوز له ثلاثة أوجه فقط وهي أوجه البسملة الثلاثة التي بين السورتين والتي مر ذكرها آنفا في باب البسملة . وعليه فتكون جملة الأوجه التي بين السورتين لحفص في هذا الموطن على كلا القولين - التكبير وعدمه - ثمانية أوجه وفيما يلي تفصيلها مع تقديم وجه عدم التكبير حسب رأي الجمهور ووفقا لترتيب الأداء الذي قرأنا به وبه نأخذ قراءة وإقراء .

الأول : قطع الجميع أي الوقف على آخر السورة السابقة وعلى البسملة والابتداء بأول السورة اللاحقة .

الثاني : قطع الأول ووصل الثاني بالثالث أي الوقف على آخر السورة السابقة ووصل البسملة بأول اللاحقة وهذان الوجهان من غير تكبير .

الثالث : قطع الجميع أيضا لكن مع التكبير وكيفيته الوقف على آخر السورة السابقة وعلى التكبير وعلى البسملة ثم الابتداء بأول السورة اللاحقة .

الرابع : مثل الثالث غير أنه مع وصل البسملة بأول السورة اللاحقة .

الخامس : الوقف على آخر السورة السابقة ووصل التكبير بالبسملة مع الوقف عليها ثم الابتداء بأول السورة اللاحقة .

السادس : الوقف على آخر السورة السابقة ووصل التكبير بالبسملة بأول السورة اللاحقة . فهذه ست أوجه جاءت على قطع آخر السورة السابقة .

أما الوجهان الباقيان المكملان للأوجه الثمانية فيأتيان على وصل آخر السورة السابقة وهما :

السابع : وصل الجميع أي وصل آخر السورة السابقة بالبسملة بأول السورة اللاحقة دفعة واحدة بدون تكبير .

الثامن : وصل الجميع أيضا لكن مع التكبير وكيفيته وصل آخر السابقة بالتكبير بالبسملة بأول السورة اللاحقة جملة واحدة .

وقد أشار إلى هذه الأوجه الثمانية العلامة الخليجي في تيسير الأمر بقوله :


وبين كل غير ذين قف وصل     مكبرا أو لا قطعت أو تصل
مع قطع أول وصل كلا إذا     كبرت أو لا فثمان تحتذا

ا هـ

[ ص: 593 ] أما ما بين آخر الأنفال وأول سورة براءة فلا تكبير لأحد لعدم وجود البسملة في أول براءة كما مر إذ من شرط التكبير وجود البسملة . وعليه فالجائز في هذا المحل لكل القراء العشرة ثلاثة أوجه وهي الوقف والسكت بلا تنفس والوصل من غير بسملة في كلها . وقد تقدم الكلام مستوفى عليها في باب البسملة فراجعه إن شئت والله الموفق .

الكلام على الموطن الثالث من مواطن التكبير وبيان الأوجه التي فيه

وهذا الموطن هو الخاص بالجمع بين السورتين من آخر سورة الضحى وما بعدها إلى آخر سورة الناس . وهنا يجوز لحفص سبعة أوجه على القول بالتكبير أي بزيادة وجهين على الخمسة التي تقدمت في الجمع بين السورتين في الموطن الثاني .

وأما على القول بترك التكبير فيجوز له ثلاثة أوجه فقط وهي أوجه البسملة الثلاثة التي تقدمت غير مرة . وحينئذ يكمل لحفص على كلا القولين التكبير وعدمه عشرة أوجه بين آخر الضحى وأول ألم نشرح وهكذا إلى ما بين آخر الناس وأول الفاتحة وفيما يلي ذكر هذه الأوجه العشرة مع تقديم وجه عدم التكبير حسب ما ذهب إليه الجمهور ووفقا لترتيب [ ص: 594 ] الأداء الذي قرأنا به وبه نأخذ قراءة وإقراء . والأوجه هي :

الأول : قطع الجميع - أي الوقف على آخر الضحى وعلى البسملة والابتداء بألم نشرح .

الثاني : قطع الأول ووصل الثاني بالثالث - أي الوقف على آخر الضحى ووصل البسملة بألم نشرح وهذان الوجهان بدون تكبير .

الثالث : قطع الجميع أيضا لكن مع التكبير وكيفيته الوقف على آخر الضحى وعلى التكبير وعلى البسملة والابتداء بألم نشرح .

الرابع : مثل الثالث إلا أنه يوصل البسملة بألم نشرح .

الخامس : الوقف على آخر الضحى ووصل التكبير بالبسملة مع الوقف عليها ثم الابتداء [ ص: 595 ] بألم نشرح .

السادس : الوقف على آخر الضحى ووصل التكبير بالبسملة بألم نشرح فهذه ستة أوجه أتت على قطع آخر الضحى .

وأما الأوجه الأربعة المتممة للعشرة فتأتي على وصله وهي :

السابع : وصل الجميع أي وصل آخر الضحى بالبسملة بألم نشرح من غير تكبير .

الثامن : وصل آخر الضحى بالتكبير موقوفا عليه وعلى البسملة أيضا ثم الابتداء بألم نشرح .

التاسع : وصل آخر الضحى بالتكبير مع الوقف عليه ثم وصل البسملة بألم نشرح .

العاشر : وصل الجميع أي وصل آخر الضحى بالتكبير بالبسملة بألم نشرح جملة واحدة فهذه هي الأوجه العشرة الخاصة بالجمع بين السورتين من بين آخر الضحى وأول ألم نشرح وما بعدهما إلى آخر ما بين الناس وأول الفاتحة لحفص عن عاصم .

التالي السابق


الخدمات العلمية