الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما خلفه بهذا مما يدعيه من الربوبية دالا على تسويته ببقية العالمين: ناطقهم وصامتهم، وكان لذلك بعيدا من الإذعان لهذا الكلام، أتبعه قوله على وجه التأكيد مستأنفا بيان ما يلزم للرسول: حقيق أي: بالغ في الحقية، وهي الثبات الذي لا يمكن زواله، على أن لا أقول على الله أي: الذي له جميع الكمال، ولا عظمة لسواه ولا جلال إلا الحق أي: الثابت الذي لا تمكن المماراة فيه أصلا لما يصدقه من المعجزات، وحاصل العبارة ومآلها: حق على قولي الذي أطلقه على الله أن لا يكون إلا الحق أي: غير الحق، ولذلك عبر بالاسم الأعظم الجامع لجميع الصفات، وقراءة نافع بتشديد ياء الإضافة في: "على" بمعنى هذا سواء؛ لأن من حق عليه شيء حق على كلامه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الحال إذ ذاك يقتضي توقع إقامة موسى عليه السلام البينة على صحة رسالته، كان كأنه قيل: ما دليل صدقك؟ فقال مفتتحا بحرف التوقع والتحقيق: قد جئتكم أي: كلكم، لا أخص أحدا منكم ببينة [ ص: 21 ] دليلا على رسالتي وقولي الحق من ربكم أي: المحسن إليكم بكل نعمة ترونها لديكم من خلقكم وزرقكم وكف الأمم عن انتزاع هذا الملك منكم وإهلاككم، وتلك البينة هي المعجزة، فكرر البيان في هذا الكلام على أن فرعون ليس كما يدعي لأنه مربوب، لا فرق بينه وبين بقية العالمين في ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان من المعلوم أن مثله في تمام عقله وشرف خلائقه لا يدعي في تلك المجامع إلا حقا مع ما نبه عليه من البيان على تفرد الله بالإلهية كما تفرد بالإحسان، كان كأنه أظهر البينة التي أقلها كفهم عن إهلاكهم. فأتبع ذلك طلب النتيجة إعلاما بغاية ما يريد منهم بقوله مسببا عن مجرد هذا الإخبار الذي كان قد أوقع مضمونه: فأرسل أي: يا فرعون معي بني إسرائيل أي: فسبب إقامتي الدليل على صحة ما قلته أن أمر بما جئت له - وهو إرسالهم معي - أمر من صار له سلطان بإقامة البينة لنذهب كلنا إلى [بيت] المقدس موطن آبائنا التي أقسم الله لهم أن يورثها أبناءهم، وفي جعل ذلك نتيجة الإرسال إليه تنبيه على أن رسالته مقصورة على قومه،

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية