الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل الضرب الثاني : ما لا مثل له وهو سائر الطير ، ففيه قيمته إلا ما كان أكبر من الحمام ، فهل تجب فيه قيمته أو شاة ؛ على وجهين . وإن أتلف جزءا من صيد فعليه ما نقص من قيمته ، أو قيمة مثله إن كان مثليا . وإن نفر صيدا فتلف بشيء ضمنه ، وإن جرحه ، فغاب ولم يعلم خبره ، فعليه ما نقصه وكذلك إن وجده ميتا ولم يعلم موته بجنايته . وإن اندمل غير ممتنع فعليه جزاء جميعه ، وإن نتف ريشه فعاد ، فلا شيء عليه ، وقيل : عليه قيمة الريش ، وكلما قتل صيدا حكم عليه ، وإن اشترك جماعة في قتل صيد فعليهم جزاء واحد ، وعنه : على كل واحد جزاء ، وعنه : إن كفروا بالمال ، فكفارة واحدة وإن كفروا بالصيام ، فعلى كل واحد كفارة .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل ( الضرب الثاني : ما لا مثل له ، وهو سائر الطير ) إذا كان دون الحمام ( ففيه قيمته ) لما روى النجاد عن ابن عباس قال : ما أصيب من الطير دون الحمام ففيه الدية أي : يضمنه بقيمته في موضعه الذي أتلفه فيه كمال الآدمي ( إلا ما كان أكبر من الحمام ) كالكركي ، والإوز ، والحبارى ( فهل تجب فيه قيمته أو شاة ؛ على وجهين ) كذا في " الشرح " و " الفروع " أحدهما : يضمنه بقيمته ، وهو ظاهر " الوجيز " ; لأنه القياس تركناه في الحمام لقضاء الصحابة ، ولا يجوز إخراج القيمة ، بل طعاما ، وقيل : بلى ، والثاني : يجب شاة ، روي عن ابن عباس ، وعطاء ، وكالحمام بطريق الأولى ، ( وإن أتلف جزءا من صيد ) [ ص: 198 ] أو تلف في يده ( فعليه ما نقص من قيمته ) إن لم يكن مثليا ؛ لأن ما ضمنت جملته ؛ ضمنت أبعاضه كالآدمي فيقوم الصيد سليما ، ثم مجنيا عليه فيجب ما بينهما بأن كانت قيمته أولا عشرة ، وثانيا ثمانية فالواجب درهمان ( أو قيمة مثله إن كان مثليا ) هذا هو المجزوم به ، ثم الأكثر ؛ لأن الجزء يشق إخراجه فيمتنع إيجابه ، ولهذا عدل الشارع في خمس من الإبل إلى الشاة فيقوم المثل سليما بعشرة مثلا ، ومعيبا بستة فيكون الواجب ستة ، وظهر بذلك الفرق بين التقويمين ; لأن المثل قد ينقص شيئا لا ينقص الصيد بقدره ، وتحقيقه أنه لو جنى على نعامة ، قيمتها صحيحة عشرون ، ومقطوعة يدها عشر ، فالنقصان الربع ، وإذا نظرت إلى مثلها وهي البدنة ، فقيمتها مثلا سليمة مائة ، ومقطوعة يدها خمسون فالنقصان النصف ، فلو اعتبر نفس الصيد كان الواجب خمسة ، ولو اعتبر المثل كان الواجب خمسين ، والوجه الثاني : أنه يضمن بمثله ؛ لأن ما وجب ضمان جملته بالمثل ، وجب في بعض مثله كالمكيلات ، والأول أولى ; لأن المشقة ثابتة لوجود الخيرة له في العدول عن المثل إلى عدله من الطعام أو الصيام فينتفي المانع .

                                                                                                                          ( وإن نفر صيدا فتلف بشيء ضمنه ) ; لأن عمر دخل دار الندوة فعلق رداءه فوقع عليه الحمام فخرجت حية فقتلته فسأل من معه فحكم عليهعثمان بشاة . رواه الشافعي ، وكذا إن جرحه فتحامل فوقع في شيء تلف به ; لأنه تلف بسببه أما إن نفره إلى مكان فسكن به ، ثم تلف فلا ضمان في الأشهر ( وإن جرحه فغاب ، ولم يعلم خبره فعليه ما نقصه ) إذا كان الجرح غير موح لأنا لا نعلم حصول [ ص: 199 ] التلف بفعله فنقومه صحيحا ، وجريحا جراحة غير مندملة فيجب ما بينهما فإن كان سدسه ، وهو مثلي فقيل يجب بينها مثله ، وقيل : قيمة سدس مثله ، وقيل : يضمن كله ، فلو كان موحيا وغاب غير مندمل فعليه جزاؤه كقتله . وذكر القاضي وأصحابه في كتب الخلاف : إذا جرحه وغاب وجهل خبره ، فعليه جزاؤه ; لأنه سبب للموت ( وكذلك إن وجده ميتا ، ولم يعلم موته بجنايته ) لما ذكرنا ، وقيل : يضمن كله إحالة للحكم على السبب المعلوم كما لو وقع في الماء نجاسة فوجده متغيرا بها ، وهذا أقيس كنظائره ، ( وإن اندمل ) أي : صلح ( غير ممتنع فعليه جزاء جميعه ) ; لأنه عطله فصار كتالف وكجرح تيقن به موته .

                                                                                                                          وقيل : يضمن ما نقص ; لئلا يجب جزاءان لو قتله محرم آخر ، فلو جرحه جرحا غير موح فوقع في ماء أو تردى فمات ضمنه كله لتلفه بسببه ، وعلم منه أن الصيد يضمن مما يضمن به الآدمي من مباشرة ، أو سبب ( وإن نتف ريشه ) أو شعره أو وبره ( فعاد ) بأن حفظه وأطعمه ، وسقاه ( فلا شيء عليه ) ؛ لأن النقص زال ، أشبه ما لو اندمل الجرح ( وقيل : عليه قيمة الريش ) ؛ لأن الثاني غير الأول فإن صار غير ممتنع بنتف الريش فهو كالجرح ، وإن غاب ففيه ما نقص لا كل الجزاء ، ( وكلما قتل صيدا حكم عليه ) بجزائه ; لأنه إتلاف فوجب أن يتعدد عليه الحكم بالضمان بتعدد الإتلاف كمال الآدمي ، والأولى حمل كلامه هنا على ما إذا تعدد قتل الصيد ، وكان الجزاء مختلفا كالبدنة والبقرة والكبش ; لأنه لا يمكن تداخله كالحدود ، وخوفا له من التكرار ; لأنه سبق ذكر الخلاف فيه .

                                                                                                                          [ ص: 200 ] فرع : يجوز إخراج جزاء الصيد بعد جرحه ، وقبل موته ، نص عليه ; لأنها كفارة قتل ، فجاز تقديمها ، ككفارة قتل الآدمي ( وإن اشترك جماعة في قتل صيد فعليهم جزاء واحد ) هذا هو الصحيح ; لأنه - تعالى - أوجب المثل بقتله فلا يجب غيره ، وهو ظاهر في الواحد والجماعة ، والقتل هو الفعل المؤدي إلى خروج الروح ، وهو فعل الجماعة ، لا كل واحد ، كقوله : من جاء بعبدي فله درهم ، فجاء به جماعة ، ولأنه - عليه السلام - جعل في الضبع كبشا ، ولم يفرق ، وهذا قول عمر ، وابنه ، وابن عباس ، ولم يعرف لهم مخالف ، ولأنه جزاء عن مقتول يختلف باختلافه ، ويحتمل التبعيض فكان واحدا كقيم المتلفات ، وكذا الدية لا كفارة القتل على الأصح فيهما ، ومتى ثبت اتحاد الجزاء في الهدي ثبت في الصوم للنص ( وعنه : على كل واحد جزاء ) اختاره أبو بكر ، أشبه كفارة قتل الآدمي ، ( وعنه : إن كفروا بالمال فكفارة واحدة ) ; لأن المال ليس بكفارة ، وإنما هو بدل متلف فلم يكمل كالدية ، ( وإن كفروا بالصيام فعلى كل واحد كفارة ) نقلها الجماعة ، ونصرها القاضي وأصحابه عن الأكثر ؛ لأن الصوم كفارة ، فوجب أن يكمل في حق الفاعل ، ككفارة قتل الآدمي بدليل أنه - تعالى - عطف على البدل الكفارة ، وقيل : لا جزاء على محرم ممسك مع محرم قاتل ، فيلزم منه عدم لزوم المتسبب مع المباشر . وقيل : القرار عليه ; لأنه هو الذي جعل فعل الممسك علة . قال في " الفروع " : وهذا متوجه وجزم به ابن شهاب أنه على الممسك ، لتأكده ، وإن عكسه المال ، وفيه نظر .




                                                                                                                          الخدمات العلمية