1026 - مسألة -
nindex.php?page=treesubj&link=17191_24930_16907_16905وكل ما حرم الله عز وجل من المآكل والمشارب من خنزير أو صيد حرام ، أو ميتة ، أو دم ; أو لحم سبع أو طائر ، أو ذي أربع ; أو حشرة ، أو خمر ، أو غير ذلك : فهو كله عند الضرورة حلال - حاشا لحوم بني آدم - وما يقتل من تناوله - : فلا يحل من ذلك شيء أصلا لا بضرورة ولا بغيرها . فمن اضطر إلى شيء مما ذكرنا قبل ولم يجد مال مسلم أو ذمي - : فله أن يأكل حتى يشبع ، ويتزود حتى يجد حلالا ; فإذا وجده عاد الحلال من ذلك حراما كما كان عند ارتفاع الضرورة . وحد الضرورة أن يبقى يوما وليلة لا يجد فيها ما يأكل أو يشرب ، فإن خشي الضعف المؤذي الذي إن تمادى أدى إلى الموت ، أو قطع به عن طريقه وشغله - حل له الأكل والشرب فيما يدفع به عن نفسه الموت بالجوع أو العطش . وكل ما ذكرنا سواء لا فضل لبعضها على بعض إن وجد منها نوعين ، أو أنواعا فيأكل ما شاء منها للتذكية فيها . أما تحليل كل ذلك للضرورة فلقول الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=119وقد فصل لكم ما حرم عليكم [ ص: 106 ] إلا ما اضطررتم إليه } فأسقط تعالى تحريم ما فصل تحريمه عند الضرورة ، فعم ولم يخص ، فلا يجوز تخصيص شيء من ذلك .
وأما قولنا إذا لم يجد مال مسلم فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رويناه من طريق
أبي موسى : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50034أطعموا الجائع } فهو إذا وجد مال المسلم أو الذمي فقد وجد مالا قد أمر الله تعالى بإطعامه منه ، فحقه فيه ، فهو غير مضطر إلى الميتة وسائر المحرمات ، فإن منع ذلك ظلما فهو مضطر حينئذ . وخصص قوم الخمر بالمنع - وهذا خطأ لأنه تخصيص للقرآن بلا برهان - وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ; وخالفه
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وغيره ، واحتج المالكيون بأنها لا تروى - وهذا خطأ مدرك بالعيان ، وقد صح عندنا أن كثيرا من المدمنين عليها من الكفار والخلاع لا يشربون الماء أصلا مع شربهم الخمر . وقد اضطربوا - : فروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : الاستغاثة بالخمر لمن اختنق بلقمة وأمره بذلك ، ولا فرق بين الاستغاثة إليها في ضرورة الاختناق أو في ضرورة العطش لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا رواية صحيحة ، ولا قياس . فصح أنهم آمرون له بقتل نفسه وأنه إن لم يشرب الخمر فمات فهو قاتل النفس التي حرم الله . وأما استثناء لحوم بني آدم فلما ذكرنا قبل من الأمر بمواراتها ، فلا يحل غير ذلك .
وأما ما يقتل فإنما أبيحت المحرمات خوف الموت أو الضرر فاستعجال الموت لا يحل لقول الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29ولا تقتلوا أنفسكم } وبهذه الآية أيضا حلت المحرمات خوف أن يكون الممتنع منها قاتل نفسه فيعصي الله تعالى بذلك ويكون قاتل نفس محرمة وهذا أكبر الكبائر بعد الشرك . وأما تحديدنا ذلك ببقاء يوم وليلة بلا أكل فلتحريم النبي صلى الله عليه وسلم الوصال يوما وليلة . وأما قولنا : إن خاف الموت قبل ذلك أو الضعف فلأنه مضطر حينئذ . وأما قولنا : لا فضل لبعض ذلك على بعض فلقول الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } .
[ ص: 107 ] فصح أن كل شيء حرمه النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى حرمه وبلغه هو عليه السلام إلينا ، وكل ما حرمه الله تعالى في القرآن فالنبي عليه السلام بلغ القرآن إلينا ، ولولاه ما عرفنا ما هو القرآن . فصح يقينا أن كل حرام ، أو كل مفترض ، أو كل حلال فهو عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل ولا فرق . وليس قولنا : إنه لا يحل للمحرم قتل الصيد ولا للمحل في
الحرم ما دام يجد شيئا من هذه المحرمات ناقضا لهذه الجملة ، بل هو طرد لها ; لأن واجد الخنزير ، والميتة ، والدم ، وغير ذلك غير مضطر معها ، بل هو واجد حلال ، فليس مضطرا إلى الصيد إلا حتى لا يجد غيره فيحل له حينئذ . وأما قولنا : لا معنى للتذكية فلأن الذكاة إخراج لحكم الحيوان على التحريم بكونه ميتة إلى التحليل بكونه مذكى ، وكل ما حرمه الله تعالى من الحيوان فهو ميتة ; فالتذكية لا مدخل لها في الميتة - وبالله تعالى التوفيق .
1026 - مَسْأَلَةٌ -
nindex.php?page=treesubj&link=17191_24930_16907_16905وَكُلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ مِنْ خِنْزِيرٍ أَوْ صَيْدٍ حَرَامٍ ، أَوْ مَيْتَةٍ ، أَوْ دَمٍ ; أَوْ لَحْمِ سَبُعٍ أَوْ طَائِرٍ ، أَوْ ذِي أَرْبَعٍ ; أَوْ حَشَرَةٍ ، أَوْ خَمْرٍ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ : فَهُوَ كُلُّهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ حَلَالٌ - حَاشَا لُحُومِ بَنِي آدَمَ - وَمَا يُقْتَلُ مَنْ تَنَاوَلَهُ - : فَلَا يَحِلُّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ أَصْلًا لَا بِضَرُورَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا . فَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَلَمْ يَجِدْ مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ - : فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ حَتَّى يَشْبَعَ ، وَيَتَزَوَّدَ حَتَّى يَجِدَ حَلَالًا ; فَإِذَا وَجَدَهُ عَادَ الْحَلَالُ مِنْ ذَلِكَ حَرَامًا كَمَا كَانَ عِنْدَ ارْتِفَاعِ الضَّرُورَةِ . وَحَدُّ الضَّرُورَةِ أَنْ يَبْقَى يَوْمًا وَلَيْلَةً لَا يَجِدُ فِيهَا مَا يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ ، فَإِنْ خَشِيَ الضَّعْفَ الْمُؤْذِيَ الَّذِي إنْ تَمَادَى أَدَّى إلَى الْمَوْتِ ، أَوْ قَطَعَ بِهِ عَنْ طَرِيقِهِ وَشُغْلِهِ - حَلَّ لَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِيمَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ الْمَوْتَ بِالْجُوعِ أَوْ الْعَطَشِ . وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ لَا فَضْلَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ إنْ وَجَدَ مِنْهَا نَوْعَيْنِ ، أَوْ أَنْوَاعًا فَيَأْكُلُ مَا شَاءَ مِنْهَا لِلتَّذْكِيَةِ فِيهَا . أَمَّا تَحْلِيلُ كُلِّ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=119وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ [ ص: 106 ] إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } فَأَسْقَطَ تَعَالَى تَحْرِيمَ مَا فَصَّلَ تَحْرِيمَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ ، فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ .
وَأَمَّا قَوْلُنَا إذَا لَمْ يَجِدْ مَالَ مُسْلِمٍ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ
أَبِي مُوسَى : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50034أَطْعِمُوا الْجَائِعَ } فَهُوَ إذَا وَجَدَ مَالَ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ فَقَدْ وَجَدَ مَالًا قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِطْعَامِهِ مِنْهُ ، فَحَقُّهُ فِيهِ ، فَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَى الْمَيْتَةِ وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ ، فَإِنْ مُنِعَ ذَلِكَ ظُلْمًا فَهُوَ مُضْطَرٌّ حِينَئِذٍ . وَخَصَّصَ قَوْمٌ الْخَمْرَ بِالْمَنْعِ - وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ بِلَا بُرْهَانٍ - وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ ; وَخَالَفَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ ، وَاحْتَجَّ الْمَالِكِيُّونَ بِأَنَّهَا لَا تُرْوَى - وَهَذَا خَطَأٌ مُدْرَكٌ بِالْعِيَانِ ، وَقَدْ صَحَّ عِنْدَنَا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُدْمِنِينَ عَلَيْهَا مِنْ الْكُفَّارِ وَالْخِلَاعِ لَا يَشْرَبُونَ الْمَاءَ أَصْلًا مَعَ شُرْبِهِمْ الْخَمْرَ . وَقَدْ اضْطَرَبُوا - : فَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ : الِاسْتِغَاثَةَ بِالْخَمْرِ لِمَنْ اخْتَنَقَ بِلُقْمَةٍ وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الِاسْتِغَاثَةِ إلَيْهَا فِي ضَرُورَةِ الِاخْتِنَاقِ أَوْ فِي ضَرُورَةِ الْعَطَشِ لَا مِنْ قُرْآنٍ ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ ، وَلَا رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ ، وَلَا قِيَاسٍ . فَصَحَّ أَنَّهُمْ آمِرُونَ لَهُ بِقَتْلِ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَشْرَبْ الْخَمْرَ فَمَاتَ فَهُوَ قَاتِلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ . وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ لُحُومِ بَنِي آدَمَ فَلِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ الْأَمْرِ بِمُوَارَاتِهَا ، فَلَا يَحِلُّ غَيْرُ ذَلِكَ .
وَأَمَّا مَا يُقْتَلُ فَإِنَّمَا أُبِيحَتْ الْمُحَرَّمَاتُ خَوْفَ الْمَوْتِ أَوْ الضَّرَرِ فَاسْتِعْجَالُ الْمَوْتِ لَا يَحِلُّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } وَبِهَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا حَلَّتْ الْمُحَرَّمَاتُ خَوْفَ أَنْ يَكُونَ الْمُمْتَنِعُ مِنْهَا قَاتِلَ نَفْسِهِ فَيَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى بِذَلِكَ وَيَكُونُ قَاتِلَ نَفْسٍ مُحَرَّمَةٍ وَهَذَا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ . وَأَمَّا تَحْدِيدُنَا ذَلِكَ بِبَقَاءِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِلَا أَكْلٍ فَلِتَحْرِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوِصَالَ يَوْمًا وَلَيْلَةً . وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنْ خَافَ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ الضَّعْفَ فَلِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ حِينَئِذٍ . وَأَمَّا قَوْلُنَا : لَا فَضْلَ لِبَعْضِ ذَلِكَ عَلَى بَعْضٍ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى } .
[ ص: 107 ] فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ حَرَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَهُ وَبَلَّغَهُ هُوَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَيْنَا ، وَكُلُّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ فَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَلَّغَ الْقُرْآنَ إلَيْنَا ، وَلَوْلَاهُ مَا عَرَفْنَا مَا هُوَ الْقُرْآنُ . فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ كُلَّ حَرَامٍ ، أَوْ كُلَّ مُفْتَرَضٍ ، أَوْ كُلَّ حَلَالٍ فَهُوَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا فَرْقَ . وَلَيْسَ قَوْلُنَا : إنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُ الصَّيْدِ وَلَا لِلْمُحِلِّ فِي
الْحَرَمِ مَا دَامَ يَجِدُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ نَاقِضًا لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ ، بَلْ هُوَ طَرْدٌ لَهَا ; لِأَنَّ وَاجِدَ الْخِنْزِيرِ ، وَالْمَيْتَةِ ، وَالدَّمِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ مَعَهَا ، بَلْ هُوَ وَاجِدُ حَلَالٍ ، فَلَيْسَ مُضْطَرًّا إلَى الصَّيْدِ إلَّا حَتَّى لَا يَجِدَ غَيْرَهُ فَيَحِلُّ لَهُ حِينَئِذٍ . وَأَمَّا قَوْلُنَا : لَا مَعْنَى لِلتَّذْكِيَةِ فَلِأَنَّ الذَّكَاةَ إخْرَاجٌ لِحُكْمِ الْحَيَوَانِ عَلَى التَّحْرِيمِ بِكَوْنِهِ مَيْتَةً إلَى التَّحْلِيلِ بِكَوْنِهِ مُذَكًّى ، وَكُلُّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْحَيَوَانِ فَهُوَ مَيْتَةٌ ; فَالتَّذْكِيَةُ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْمَيْتَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .