الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين

                                                                                                                                                                                                                                      ثم بعثنا من بعدهم موسى ; أي : أرسلناه من بعد انقضاء [ ص: 257 ] وقائع الرسل المذكورين ، أو من بعد هلاك الأمم المحكية ، والتصريح بذلك مع دلالة " ثم " على التراخي ، للإيذان بأن بعثه عليه الصلاة والسلام جرى على سنن السنة الإلهية من إرسال الرسل تترى . وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح ، لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر .

                                                                                                                                                                                                                                      بآياتنا متعلق بمحذوف وقع حالا من مفعول بعثنا ، أو صفة لمصدره ; أي : بعثناه عليه الصلاة والسلام ملتبسا بآياتنا ، أو بعثناه بعثا ملتبسا بها ، وهي الآيات التسع المفصلات التي هي : العصا ، واليد البيضاء ، والسنون ، ونقص الثمرات ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، حسبما سيأتي على التفصيل .

                                                                                                                                                                                                                                      إلى فرعون هو لقب لكل من ملك مصر من العمالقة ، كما أن كسرى لقب لكل من ملك فارس ، وقيصر لكل من ملك الروم ، واسمه قابوس ، وقيل : الوليد بن مصعب بن ريان .

                                                                                                                                                                                                                                      "ومثله" ; أي : أشراف قومه ، وتخصيصهم بالذكر مع عموم رسالته عليه الصلاة والسلام لقومه كافة ، حيث كانوا جميعا مأمورين بعبادة رب العالمين عز سلطانه ، وترك العظيمة الشنعاء التي كان يدعيها الطاغية ويقبلها منه فئته الباغية ، لأصالتهم في تدبير الأمور ، واتباع غيرهم لهم في الورود والصدور .

                                                                                                                                                                                                                                      فظلموا بها ; أي : كفروا بها ، أجري الظلم مجرى الكفر لكونهما من واد واحد ، أو ضمن معنى الكفر أو التكذيب ; أي : ظلموا كافرين بها ، أو مكذبين بها ، أو كفروا بها مكان الإيمان الذي هو من حقها لوضوحها ، ولهذا المعنى وضع ظلموا موضع كفروا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : ظلموا أنفسهم بسببها بأن عرضوها للعذاب الخالد ، أو ظلموا الناس بصدهم عن الإيمان بها ، والمراد به : الاستمرار على الكفر بها إلى أن لقوا من العذاب ما لقوا ، ألا يرى إلى قوله تعالى : فانظر كيف كان عاقبة المفسدين فكما أن ظلمهم بها مستتبع لتلك العاقبة الهائلة ، كذلك حكاية ظلمهم بها مستتبع للأمر بالنظر إليها .

                                                                                                                                                                                                                                      و" كيف " خبر كان قدم على اسمها لاقتضائه الصدارة ، والجملة في حيز النصب بإسقاط الخافض ; أي : فانظر بعين عقلك إلى كيفية ما فعلنا بهم ، ووضع المفسدين موضع ضمير " هم " للإيذان بأن الظلم مستلزم للإفساد .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية