[ ص: 3055 ] (سورة الأنفال)
تمهيد
هذه السورة مدنية، وقالوا: إن سبع آيات منها مكية، وعباراتها السامية تنبئ عن أنها مكية، وهي تبتدئ من قوله تعالى: فإن هذه الآيات السبع مكية، تدل عليها عباراتها وزمانها، ولكن لأنها متصلة بالهجرة أضيفت إلى سورة مدنية. وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
والأنفال سميت بأولها، وهو فسميت بهذا الاسم، وإن هذه السورة تشتمل على أعمال من أجل ما قام في الإسلام، ففيها كان يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، وبهذا اللقاء كان الفرق بين عزة الحق وذلة الباطل، وفيها تشريع الأنفال والغنائم، وفيها حكم الأسرى، ومتى يكون الأسر، وفيها إعداد العدة، وفيها الوفاء بالعهد ومتى ينقض. يسألونك عن الأنفال
وقد ابتدئت السورة بذكر الأنفال، وما يؤخذ من الحرب، وبين الله تعالى أنها في الأصل لله تعالى ورسوله؛ ليقوي بها الجيش، ويتخذ منها العدة والأهبة، وكان ذلك إيذانا بما يجيء بعد ذلك من يوم الفرقان.
ابتدئت السورة بالإشارة إلى ما كان من تساؤل حول الأنفال، ثم تكلمت بعد ذلك عن الاستعداد للالتقاء يوم الفرقان.
وكانت أول العدة طاعة الله ورسوله، وامتلاء القلوب بهيبة الله، وبيان أن المؤمنين المجاهدين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا، ويتوكلون على ربهم إذا أعدوا العدة، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، وإن ذكر الماضي وإرادة تغييره يكون [ ص: 3056 ] بالعمل والجهاد، وإنه يجب الصبر على فراق الأحبة، ومنع المجادلة في الحق، قال تعالى: كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون
ثم يملأ الله تعالى قلوب المؤمنين إيمانا وهو من عدة النصر وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون
ويبين من بعد ذلك ، فاستجاب بإمداد الملائكة الروحي الذي جعله الله تعالى بشرى لهم ولتطمئن قلوبهم. الالتجاء إلى الله واستغاثته
ورزقهم الله الأمان فناموا، والنوم آمنين قوة، وأنزل الله تعالى من السماء ماء ليطهرهم به، ويذهب عنهم رجس الشيطان، ويوحي رب العالمين إلى الملائكة أن يثبتوا الذين آمنوا فيثبتوهم، وألقى في قلوب الذين كفروا الرعب، وصار المؤمنون على استعداد للقتال يضربون فوق الأعناق، ويضربون منهم كل بنان; لأنهم عاندوا الله ورسوله وساقوه فليذوقوا ذلك البأس ومن بعد النار.
ثم يكون التحريض على القتال والثبات ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير
وإنه بعد انتهاء المعركة التي كانت فيصل الحق بين قوة الإيمان والكفر - بين الله أن ذلك كان بفضل الله للمؤمنين، وأنه هو الذي رد كيد الكافرين، ووهن تدبيرهم، وأنه سبحانه هو الذي جاء بالفتح وأمر من عنده، وأنه مع إرادة الله تعالى للنصر لن تغني عنهم فئتهم من الله سبحانه، وإن ذلك من طاعة المؤمنين لله وسماعهم لأوامره، وأنهم لا يقولون: سمعنا وعصينا.
وقد بين الله بعد ذلك أن شر الدواب الذين آتاهم الله عقولا، فأصموا آذانهم عن الحق، وتردوا في الباطل ترديا، وليعلموا أن الله هو المسيطر على القلوب [ ص: 3057 ] به يهتدون، ويتركهم إن ساروا في طريق الغواية فيضلون، وبين أن الفتن إن جاءت تعم ولا تخص، وأن أن يخونوا الله ورسوله ويخونوا أماناتهم، وأن أشد الفتن وهي فرقان ما بين الحق والباطل، وبها يفرق بينهما. التقوى حصن القلوب،
ويذكر الله تعالى بعد ذلك ما كان في آخر إقامتهم بمكة إذ يدبرون لمحمد حبسه أو قتله أو يخرجوه، ويمكرون والله سبحانه يدبر له أمر هجرته ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
ويذكر بعض ما كان المشركون ينالون بالباطل من القرآن، وما تلج به عداوتهم، فيقولون مستهينين بالحق الذي يدعوهم الله تعالى إليه: وذلك أبلغ التحدي والاستهانة بالحق، فبدل أن يقولوا: اللهم إن كان هذا هو الحق فاهدنا إليه يقولون متحدين: وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ولكن الله تعالى ما كان ليعذبهم والنبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم قائم بدعوته. فأمطر علينا حجارة من السماء
ثم يفرق الله تعالى بين المؤمنين الذين ينفقون في سبيل الله والكافرين الذين ينفقون ليصدوا عن سبيله، وأن مآلهم جهنم، ويفتح الله تعالى لهم باب الرجاء والمغفرة إن ينتهوا، وإن نهاية القتال هو انتهاء الفتنة في الدين وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير
في هذه السورة من أولها إلى هذه الآية بيان القتال، وأن النصرة فيه بالتأييد من الله العزيز الحكيم والإيمان الصادق المستجلب لهذا التأييد، فهو قوة المسلمين، وضعف المشركين من كفرهم، وأنهم ينفقون ليصدوا عن سبيل الله تعالى.
بعد ذلك يتكلم الله تعالى في توزيع الغنائم، فيقول: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنـزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير
[ ص: 3058 ] ويبين الله مواقع القتال يوم بدر الذي انتهى بالنصر المؤزر، وإذ يربي الله تعالى قوة روح المؤمنين برؤية الأعداء في المنام قليلا وإنه في رؤية العيان تستقلونهم لتتقدموا، ويستقلونكم لأنكم فعلا قلة، وذلك ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم ليقضي الله أمرا كان مفعولا
ويدعو الله تعالى إلى الثبات مكررا له; لأن الثبات في الصدمة الأولى هو قوة الصبر، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ". إنما الصبر عند الصدمة الأولى
ويدعو مع الثبات إلى ذكر الله تعالى; لأنه عدة الأتقياء، وينهى عن التنازع حتى لا تذهب القوة، ولا يكن ولا يصح أن يزين الشيطان لكم ويركبكم ويقول لكم: خروجكم بطرا بالمعيشة ورجاء الترف أو رئاء الناس؛ فإن هذه هي مفاسد الجهاد، وإذا التقى الجمعان قال: إني بريء منكم. لا غالب لكم اليوم من الناس
وعندئذ يجد المنافقون سبيلا إلى جموعكم، ويقولون: فاطرحوا الشيطان وغروره، وتوكلوا على الله، وإن الملائكة يضربون وجوه الكافرين وأدبارهم عند موتهم، وقد ضرب الله تعالى الأمثال بآل فرعون إذ أخذهم الله بذنوبهم، وإذ كذبوا، وإن الله تعالى: غر هؤلاء دينهم لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
ومن بعد ذلك يعود إلى الجهاد، والوقوف أمام الأشرار وحربهم، والاستعانة بالعهد لمن يقدم عهدا إن وفوا وإنه يجب أن يكون المؤمنون على حذر واستعداد وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء وأنه مع وجوب الاستعداد والإعداد وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله
[ ص: 3059 ] ولا تنس التحريض على القتال، فيتجمع العهد مع الوفاء، والاستعداد للسلم وللحرب معا، ولا بد مع ذلك من تأليف قلوب المؤمنين، فإنه أقوى أسباب النصر، وإن القوة المعنوية مع ائتلاف القلوب تضاهي الألوف وإن أدخل فيكم ضعف بوجود المنافقين فيكم وضعاف الإيمان فإنه إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين
وقد بين الله بعد ذلك وقت الأسر، وهو بعد الإثخان في الأرض، وعتب الله على نبيه والمؤمنين أن كان لهم أسرى وأخذوا فدية، فقال: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم هذا إذا أرادوا، وإن يريدوا خيانة الرسول فقد خانوا الله من قبل. يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم
وبعد ذلك بين الله تعالى ولاء المؤمنين فقال تعالى: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير
وقد بين سبحانه أن الكافرين بعضهم أولياء بعض، فلا تربطنا بهم ولاية، وإلا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
وقد ذكر سبحانه بعد ذلك والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم
هذه ، ولولا أنها سميت بذلك لقلنا إنها سورة من سور الجهاد، والله سبحانه وتعالى أعلم. إشارات إلى ما اشتملت عليها سورة الأنفال
تفسير سورة الأنفال
- تمهيد
- تفسير قوله تعالى يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم
- تفسير قوله تعالى إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا
- تفسير قوله تعالى الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون
- تفسير قوله تعالى أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم
- تفسير قوله تعالى كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون
- تفسير قوله تعالى يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون
- تفسير قوله تعالى وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم
- تفسير قوله تعالى ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون
- تفسير قوله تعالى إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين
- تفسير قوله تعالى وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله
- تفسير قوله تعالى إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به
- تفسير قوله تعالى إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا
- تفسير قوله تعالى ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب
- تفسير قوله تعالى ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار
- تفسير قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار
- تفسير قوله تعالى ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله
- تفسير قوله تعالى فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء
- تفسير قوله تعالى ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين
- تفسير قوله تعالى إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد
- تفسير قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون
- تفسير قوله تعالى ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون
- تفسير قوله تعالى إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون
- تفسير قوله تعالى ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون
- تفسير قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم
- تفسير قوله تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب
- تفسير قوله تعالى واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم
- تفسير قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون
- تفسير قوله تعالى واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم
- تفسير قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم
- تفسير قوله تعالى وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الل
- تفسير قوله تعالى وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين
- تفسير قوله تعالى وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء
- تفسير قوله تعالى وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون
- تفسير قوله تعالى وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه
- تفسير قوله تعالى وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون
- تفسير قوله تعالى إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها
- تفسير قوله تعالى ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا
- تفسير قوله تعالى قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين
- تفسير قوله تعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير
- تفسير قوله تعالى وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير
- تفسير قوله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين
- تفسير قوله تعالى إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم
- تفسير قوله تعالى إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر
- تفسير قوله تعالى وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا
- تفسير قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون
- تفسير قوله تعالى وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين
- تفسير قوله تعالى ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله
- تفسير قوله تعالى وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم
- تفسير قوله تعالى إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله
- تفسير قوله تعالى ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم
- تفسير قوله تعالى ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد
- تفسير قوله تعالى كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم
- تفسير قوله تعالى ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
- تفسير قوله تعالى كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم
- تفسير قوله تعالى إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون
- تفسير قوله تعالى الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون
- تفسير قوله تعالى فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون
- تفسير قوله تعالى وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين
- تفسير قوله تعالى ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون
- تفسير قوله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم
- تفسير قوله تعالى وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم
- تفسير قوله تعالى وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين
- تفسير قوله تعالى وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم
- تفسير قوله تعالى يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين
- تفسير قوله تعالى يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون
- تفسير قوله تعالى الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين
- تفسير قوله تعالى ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا
- تفسير قوله تعالى لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم
- تفسير قوله تعالى فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم
- تفسير قوله تعالى يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا
- تفسير قوله تعالى وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم
- تفسير قوله تعالى إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا
- تفسير قوله تعالى والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير
- تفسير قوله تعالى والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون
- تفسير قوله تعالى والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولو الأرحام بعضهم
[ ص: 3055 ] (سُورَةُ الْأَنْفَالِ)
تَمْهِيدٌ
هَذِهِ السُّورَةُ مَدَنِيَّةٌ، وَقَالُوا: إِنَّ سَبْعَ آيَاتٍ مِنْهَا مَكِّيَّةٌ، وَعِبَارَاتُهَا السَّامِيَةُ تُنْبِئُ عَنْ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ، وَهِيَ تَبْتَدِئُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=30وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ السَّبْعَ مَكِّيَّةٌ، تَدُلُّ عَلَيْهَا عِبَارَاتُهَا وَزَمَانُهَا، وَلَكِنْ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالْهِجْرَةِ أُضِيفَتْ إِلَى سُورَةٍ مَدَنِيَّةٍ.
وَالْأَنْفَالُ سُمِّيَتْ بِأَوَّلِهَا، وَهُوَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ فَسُمِّيَتْ بِهَذَا الِاسْمِ، وَإِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى أَعْمَالٍ مِنْ أَجَلِّ مَا قَامَ فِي الْإِسْلَامِ، فَفِيهَا كَانَ يَوْمُ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ، وَبِهَذَا اللِّقَاءِ كَانَ الْفَرْقُ بَيْنَ عِزَّةِ الْحَقِّ وَذِلَّةِ الْبَاطِلِ، وَفِيهَا تَشْرِيعُ الْأَنْفَالِ وَالْغَنَائِمِ، وَفِيهَا حُكْمُ الْأَسْرَى، وَمَتَى يَكُونُ الْأَسْرُ، وَفِيهَا إِعْدَادُ الْعُدَّةِ، وَفِيهَا الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ وَمَتَى يُنْقَضُ.
وَقَدِ ابْتُدِئَتِ السُّورَةُ بِذِكْرِ الْأَنْفَالِ، وَمَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَرْبِ، وَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا فِي الْأَصْلِ لِلَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ؛ لِيُقَوِّيَ بِهَا الْجَيْشَ، وَيَتَّخِذَ مِنْهَا الْعُدَّةَ وَالْأُهْبَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ إِيذَانًا بِمَا يَجِيءُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ يَوْمِ الْفُرْقَانِ.
ابْتُدِئَتِ السُّورَةُ بِالْإِشَارَةِ إِلَى مَا كَانَ مِنْ تَسَاؤُلٍ حَوْلَ الْأَنْفَالِ، ثُمَّ تَكَلَّمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ عَنِ الِاسْتِعْدَادِ لِلِالْتِقَاءِ يَوْمَ الْفُرْقَانِ.
وَكَانَتْ أَوَّلُ الْعُدَّةِ طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَامْتِلَاءَ الْقُلُوبِ بِهَيْبَةِ اللَّهِ، وَبَيَانَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُجَاهِدِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا، وَيَتَوَكَّلُونَ عَلَى رَبِّهِمْ إِذَا أَعَدُّوا الْعُدَّةَ، وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وَإِنَّ ذِكْرَ الْمَاضِي وَإِرَادَةَ تَغْيِيرِهِ يَكُونُ [ ص: 3056 ] بِالْعَمَلِ وَالْجِهَادِ، وَإِنَّهُ يَجِبُ الصَّبْرُ عَلَى فِرَاقِ الْأَحِبَّةِ، وَمَنْعِ الْمُجَادَلَةِ فِي الْحَقِّ، قَالَ تَعَالَى: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ
ثُمَّ يَمْلَأُ اللَّهُ تَعَالَى قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا وَهُوَ مِنْ عِدَةِ النَّصْرِ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=8لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ
وَيُبَيِّنُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ nindex.php?page=treesubj&link=17408_32498الِالْتِجَاءَ إِلَى اللَّهِ وَاسْتِغَاثَتَهُ ، فَاسْتَجَابَ بِإِمْدَادِ الْمَلَائِكَةِ الرُّوحِيِّ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بُشْرَى لَهُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُهُمْ.
وَرَزَقَهُمُ اللَّهُ الْأَمَانَ فَنَامُوا، وَالنَّوْمُ آمِنِينَ قُوَّةٌ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَهُمْ بِهِ، وَيُذْهِبَ عَنْهُمْ رِجْسَ الشَّيْطَانِ، وَيُوحِي رَبُّ الْعَالَمِينَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنْ يُثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا فَيُثَبِّتُوهُمْ، وَأَلْقَى فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ، وَصَارَ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى اسْتِعْدَادٍ لِلْقِتَالِ يَضْرِبُونَ فَوْقَ الْأَعْنَاقِ، وَيَضْرِبُونَ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانِ; لِأَنَّهُمْ عَانَدُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَسَاقُوهُ فَلْيَذُوقُوا ذَلِكَ الْبَأْسَ وَمِنْ بَعْدُ النَّارَ.
ثُمَّ يَكُونُ التَّحْرِيضُ عَلَى الْقِتَالِ وَالثَّبَاتِ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=16وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
وَإِنَّهُ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْمَعْرَكَةِ الَّتِي كَانَتْ فَيْصَلَ الْحَقِّ بَيْنَ قُوَّةِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ - بَيَّنَ اللَّهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِفَضْلِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي رَدَّ كَيْدَ الْكَافِرِينَ، وَوَهَّنَ تَدْبِيرَهُمْ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي جَاءَ بِالْفَتْحِ وَأَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَأَنَّهُ مَعَ إِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلنَّصْرِ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ فِئَتُهُمْ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ طَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ وَسَمَاعِهِمْ لِأَوَامِرِهِ، وَأَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا.
وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ الَّذِينَ آتَاهُمُ اللَّهُ عُقُولًا، فَأَصَمُّوا آذَانَهُمْ عَنِ الْحَقِّ، وَتَرَدَّوْا فِي الْبَاطِلِ تَرَدِّيًا، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَيْطِرُ عَلَى الْقُلُوبِ [ ص: 3057 ] بِهِ يَهْتَدُونَ، وَيَتْرُكُهُمْ إِنْ سَارُوا فِي طَرِيقِ الْغَوَايَةِ فَيَضِلُّونَ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْفِتَنَ إِنْ جَاءَتْ تَعُمُّ وَلَا تَخُصُّ، وَأَنَّ nindex.php?page=treesubj&link=30196أَشَدَّ الْفِتَنِ أَنْ يَخُونُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخُونُوا أَمَانَاتِهِمْ، وَأَنَّ nindex.php?page=treesubj&link=19863التَّقْوَى حِصْنُ الْقُلُوبِ، وَهِيَ فُرْقَانُ مَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَبِهَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا.
وَيَذْكُرُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ مَا كَانَ فِي آخِرِ إِقَامَتِهِمْ بِمَكَّةَ إِذْ يُدَبِّرُونَ لِمُحَمَّدٍ حَبْسَهُ أَوْ قَتْلَهُ أَوْ يُخْرِجُوهُ، وَيَمْكُرُونَ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يُدَبِّرُ لَهُ أَمْرَ هِجْرَتِهِ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=30وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ
وَيَذْكُرُ بَعْضَ مَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَنَالُونَ بِالْبَاطِلِ مِنَ الْقُرْآنِ، وَمَا تَلِجُّ بِهِ عَدَاوَتُهُمْ، فَيَقُولُونَ مُسْتَهِينِينَ بِالْحَقِّ الَّذِي يَدْعُوهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=32وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَذَلِكَ أَبْلَغُ التَّحَدِّي وَالِاسْتِهَانَةِ بِالْحَقِّ، فَبَدَلَ أَنْ يَقُولُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ فَاهْدِنَا إِلَيْهِ يَقُولُونَ مُتَحَدِّينَ: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=32فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا كَانَ لِيُعَذِّبَهُمْ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ قَائِمٌ بِدَعْوَتِهِ.
ثُمَّ يُفَرِّقُ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْكَافِرِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ، وَأَنَّ مَآلَهُمْ جَهَنَّمُ، وَيَفْتَحُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ بَابَ الرَّجَاءِ وَالْمَغْفِرَةِ إِنْ يَنْتَهُوا، وَإِنَّ نِهَايَةَ الْقِتَالِ هُوَ انْتِهَاءُ الْفِتْنَةِ فِي الدِّينِ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=40وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ
فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانُ الْقِتَالِ، وَأَنَّ النُّصْرَةَ فِيهِ بِالتَّأْيِيدِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ وَالْإِيمَانِ الصَّادِقِ الْمُسْتَجْلِبِ لِهَذَا التَّأْيِيدِ، فَهُوَ قُوَّةُ الْمُسْلِمِينَ، وَضَعْفُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ كُفْرِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يُنْفِقُونَ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى.
بَعْدَ ذَلِكَ يَتَكَلَّمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَوْزِيعِ الْغَنَائِمِ، فَيَقُولُ: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْـزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
[ ص: 3058 ] وَيُبَيِّنُ اللَّهُ مَوَاقِعَ الْقِتَالِ يَوْمَ بَدْرٍ الَّذِي انْتَهَى بِالنَّصْرِ الْمُؤَزَّرِ، وَإِذْ يُرَبِّي اللَّهُ تَعَالَى قُوَّةَ رُوحِ الْمُؤْمِنِينَ بِرُؤْيَةِ الْأَعْدَاءِ فِي الْمَنَامِ قَلِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=43وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ وَإِنَّهُ فِي رُؤْيَةِ الْعِيَانِ تَسْتَقِلُّونَهُمْ لِتَتَقَدَّمُوا، وَيَسْتَقِلُّونَكُمْ لِأَنَّكُمْ فِعْلًا قِلَّةٌ، وَذَلِكَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=44لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا
وَيَدْعُو اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الثَّبَاتِ مُكَرِّرًا لَهُ; لِأَنَّ الثَّبَاتَ فِي الصَّدْمَةِ الْأُولَى هُوَ قُوَّةُ الصَّبْرِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " nindex.php?page=hadith&LINKID=651203إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى ".
وَيَدْعُو مَعَ الثَّبَاتِ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى; لِأَنَّهُ عُدَّةُ الْأَتْقِيَاءِ، وَيَنْهَى عَنِ التَّنَازُعِ حَتَّى لَا تَذْهَبَ الْقُوَّةُ، وَلَا يَكُنْ nindex.php?page=treesubj&link=7919خُرُوجُكُمْ بَطَرًا بِالْمَعِيشَةِ وَرَجَاءَ التَّرَفِ أَوْ رِئَاءَ النَّاسِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ هِيَ مَفَاسِدُ الْجِهَادِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُزَيِّنَ الشَّيْطَانُ لَكُمْ وَيَرْكَبَكُمْ وَيَقُولَ لَكُمْ: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=48لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِذَا الْتَقَى الْجَمْعَانِ قَالَ: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ.
وَعِنْدَئِذٍ يَجِدُ الْمُنَافِقُونَ سَبِيلًا إِلَى جُمُوعِكُمْ، وَيَقُولُونَ: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=49غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ فَاطْرَحُوا الشَّيْطَانَ وَغُرُورَهُ، وَتَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يَضْرِبُونَ وُجُوهَ الْكَافِرِينَ وَأَدْبَارَهُمْ عِنْدَ مَوْتِهِمْ، وَقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَمْثَالَ بِآلِ فِرْعَوْنَ إِذْ أَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ، وَإِذْ كَذَّبُوا، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=53لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ
وَمِنْ بَعْدِ ذَلِكَ يَعُودُ إِلَى الْجِهَادِ، وَالْوُقُوفِ أَمَامَ الْأَشْرَارِ وَحَرْبِهِمْ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِالْعَهْدِ لِمَنْ يُقَدِّمُ عَهْدًا إِنْ وَفَّوْا nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=58وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى حَذَرٍ وَاسْتِعْدَادٍ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=60وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ وَأَنَّهُ مَعَ وُجُوبِ الِاسْتِعْدَادِ وَالْإِعْدَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=61وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ
[ ص: 3059 ] وَلَا تَنْسَ التَّحْرِيضَ عَلَى الْقِتَالِ، فَيَتَجَمَّعُ الْعَهْدُ مَعَ الْوَفَاءِ، وَالِاسْتِعْدَادُ لِلسِّلْمِ وَلِلْحَرْبِ مَعًا، وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ تَأْلِيفِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ أَقْوَى أَسْبَابِ النَّصْرِ، وَإِنَّ الْقُوَّةَ الْمَعْنَوِيَّةَ مَعَ ائْتِلَافِ الْقُلُوبِ تُضَاهِي الْأُلُوفَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=65إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَإِنْ أُدْخِلَ فِيكُمْ ضَعْفٌ بِوُجُودِ الْمُنَافِقِينَ فِيكُمْ وَضِعَافِ الْإِيمَانِ فَإِنَّهُ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=66فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ
وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقْتَ الْأَسْرِ، وَهُوَ بَعْدَ الْإِثْخَانِ فِي الْأَرْضِ، وَعَتَبَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ وَالْمُؤْمِنِينَ أَنْ كَانَ لَهُمْ أَسْرَى وَأَخَذُوا فِدْيَةً، فَقَالَ: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=68لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=69فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=70يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ هَذَا إِذَا أَرَادُوا، وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَةَ الرَّسُولِ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ.
وَبَعْدَ ذَلِكَ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَاءَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ تَعَالَى: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=72إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
وَقَدْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْكَافِرِينَ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، فَلَا تَرْبُطُنَا بِهِمْ وِلَايَةٌ، وَإِلَّا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ.
وَقَدْ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ بَعْدَ ذَلِكَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=75وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
هَذِهِ nindex.php?page=treesubj&link=28882_28892إِشَارَاتٌ إِلَى مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا سُورَةُ الْأَنْفَالِ ، وَلَوْلَا أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لَقُلْنَا إِنَّهَا سُورَةٌ مِنْ سُورِ الْجِهَادِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
تَمْهِيدٌ
هَذِهِ السُّورَةُ مَدَنِيَّةٌ، وَقَالُوا: إِنَّ سَبْعَ آيَاتٍ مِنْهَا مَكِّيَّةٌ، وَعِبَارَاتُهَا السَّامِيَةُ تُنْبِئُ عَنْ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ، وَهِيَ تَبْتَدِئُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=30وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ السَّبْعَ مَكِّيَّةٌ، تَدُلُّ عَلَيْهَا عِبَارَاتُهَا وَزَمَانُهَا، وَلَكِنْ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالْهِجْرَةِ أُضِيفَتْ إِلَى سُورَةٍ مَدَنِيَّةٍ.
وَالْأَنْفَالُ سُمِّيَتْ بِأَوَّلِهَا، وَهُوَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ فَسُمِّيَتْ بِهَذَا الِاسْمِ، وَإِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى أَعْمَالٍ مِنْ أَجَلِّ مَا قَامَ فِي الْإِسْلَامِ، فَفِيهَا كَانَ يَوْمُ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ، وَبِهَذَا اللِّقَاءِ كَانَ الْفَرْقُ بَيْنَ عِزَّةِ الْحَقِّ وَذِلَّةِ الْبَاطِلِ، وَفِيهَا تَشْرِيعُ الْأَنْفَالِ وَالْغَنَائِمِ، وَفِيهَا حُكْمُ الْأَسْرَى، وَمَتَى يَكُونُ الْأَسْرُ، وَفِيهَا إِعْدَادُ الْعُدَّةِ، وَفِيهَا الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ وَمَتَى يُنْقَضُ.
وَقَدِ ابْتُدِئَتِ السُّورَةُ بِذِكْرِ الْأَنْفَالِ، وَمَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَرْبِ، وَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا فِي الْأَصْلِ لِلَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ؛ لِيُقَوِّيَ بِهَا الْجَيْشَ، وَيَتَّخِذَ مِنْهَا الْعُدَّةَ وَالْأُهْبَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ إِيذَانًا بِمَا يَجِيءُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ يَوْمِ الْفُرْقَانِ.
ابْتُدِئَتِ السُّورَةُ بِالْإِشَارَةِ إِلَى مَا كَانَ مِنْ تَسَاؤُلٍ حَوْلَ الْأَنْفَالِ، ثُمَّ تَكَلَّمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ عَنِ الِاسْتِعْدَادِ لِلِالْتِقَاءِ يَوْمَ الْفُرْقَانِ.
وَكَانَتْ أَوَّلُ الْعُدَّةِ طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَامْتِلَاءَ الْقُلُوبِ بِهَيْبَةِ اللَّهِ، وَبَيَانَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُجَاهِدِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا، وَيَتَوَكَّلُونَ عَلَى رَبِّهِمْ إِذَا أَعَدُّوا الْعُدَّةَ، وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وَإِنَّ ذِكْرَ الْمَاضِي وَإِرَادَةَ تَغْيِيرِهِ يَكُونُ [ ص: 3056 ] بِالْعَمَلِ وَالْجِهَادِ، وَإِنَّهُ يَجِبُ الصَّبْرُ عَلَى فِرَاقِ الْأَحِبَّةِ، وَمَنْعِ الْمُجَادَلَةِ فِي الْحَقِّ، قَالَ تَعَالَى: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ
ثُمَّ يَمْلَأُ اللَّهُ تَعَالَى قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا وَهُوَ مِنْ عِدَةِ النَّصْرِ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=8لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ
وَيُبَيِّنُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ nindex.php?page=treesubj&link=17408_32498الِالْتِجَاءَ إِلَى اللَّهِ وَاسْتِغَاثَتَهُ ، فَاسْتَجَابَ بِإِمْدَادِ الْمَلَائِكَةِ الرُّوحِيِّ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بُشْرَى لَهُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُهُمْ.
وَرَزَقَهُمُ اللَّهُ الْأَمَانَ فَنَامُوا، وَالنَّوْمُ آمِنِينَ قُوَّةٌ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَهُمْ بِهِ، وَيُذْهِبَ عَنْهُمْ رِجْسَ الشَّيْطَانِ، وَيُوحِي رَبُّ الْعَالَمِينَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنْ يُثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا فَيُثَبِّتُوهُمْ، وَأَلْقَى فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ، وَصَارَ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى اسْتِعْدَادٍ لِلْقِتَالِ يَضْرِبُونَ فَوْقَ الْأَعْنَاقِ، وَيَضْرِبُونَ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانِ; لِأَنَّهُمْ عَانَدُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَسَاقُوهُ فَلْيَذُوقُوا ذَلِكَ الْبَأْسَ وَمِنْ بَعْدُ النَّارَ.
ثُمَّ يَكُونُ التَّحْرِيضُ عَلَى الْقِتَالِ وَالثَّبَاتِ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=16وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
وَإِنَّهُ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْمَعْرَكَةِ الَّتِي كَانَتْ فَيْصَلَ الْحَقِّ بَيْنَ قُوَّةِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ - بَيَّنَ اللَّهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِفَضْلِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي رَدَّ كَيْدَ الْكَافِرِينَ، وَوَهَّنَ تَدْبِيرَهُمْ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي جَاءَ بِالْفَتْحِ وَأَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَأَنَّهُ مَعَ إِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلنَّصْرِ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ فِئَتُهُمْ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ طَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ وَسَمَاعِهِمْ لِأَوَامِرِهِ، وَأَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا.
وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ الَّذِينَ آتَاهُمُ اللَّهُ عُقُولًا، فَأَصَمُّوا آذَانَهُمْ عَنِ الْحَقِّ، وَتَرَدَّوْا فِي الْبَاطِلِ تَرَدِّيًا، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَيْطِرُ عَلَى الْقُلُوبِ [ ص: 3057 ] بِهِ يَهْتَدُونَ، وَيَتْرُكُهُمْ إِنْ سَارُوا فِي طَرِيقِ الْغَوَايَةِ فَيَضِلُّونَ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْفِتَنَ إِنْ جَاءَتْ تَعُمُّ وَلَا تَخُصُّ، وَأَنَّ nindex.php?page=treesubj&link=30196أَشَدَّ الْفِتَنِ أَنْ يَخُونُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخُونُوا أَمَانَاتِهِمْ، وَأَنَّ nindex.php?page=treesubj&link=19863التَّقْوَى حِصْنُ الْقُلُوبِ، وَهِيَ فُرْقَانُ مَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَبِهَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا.
وَيَذْكُرُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ مَا كَانَ فِي آخِرِ إِقَامَتِهِمْ بِمَكَّةَ إِذْ يُدَبِّرُونَ لِمُحَمَّدٍ حَبْسَهُ أَوْ قَتْلَهُ أَوْ يُخْرِجُوهُ، وَيَمْكُرُونَ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يُدَبِّرُ لَهُ أَمْرَ هِجْرَتِهِ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=30وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ
وَيَذْكُرُ بَعْضَ مَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَنَالُونَ بِالْبَاطِلِ مِنَ الْقُرْآنِ، وَمَا تَلِجُّ بِهِ عَدَاوَتُهُمْ، فَيَقُولُونَ مُسْتَهِينِينَ بِالْحَقِّ الَّذِي يَدْعُوهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=32وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَذَلِكَ أَبْلَغُ التَّحَدِّي وَالِاسْتِهَانَةِ بِالْحَقِّ، فَبَدَلَ أَنْ يَقُولُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ فَاهْدِنَا إِلَيْهِ يَقُولُونَ مُتَحَدِّينَ: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=32فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا كَانَ لِيُعَذِّبَهُمْ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ قَائِمٌ بِدَعْوَتِهِ.
ثُمَّ يُفَرِّقُ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْكَافِرِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ، وَأَنَّ مَآلَهُمْ جَهَنَّمُ، وَيَفْتَحُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ بَابَ الرَّجَاءِ وَالْمَغْفِرَةِ إِنْ يَنْتَهُوا، وَإِنَّ نِهَايَةَ الْقِتَالِ هُوَ انْتِهَاءُ الْفِتْنَةِ فِي الدِّينِ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=40وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ
فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانُ الْقِتَالِ، وَأَنَّ النُّصْرَةَ فِيهِ بِالتَّأْيِيدِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ وَالْإِيمَانِ الصَّادِقِ الْمُسْتَجْلِبِ لِهَذَا التَّأْيِيدِ، فَهُوَ قُوَّةُ الْمُسْلِمِينَ، وَضَعْفُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ كُفْرِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يُنْفِقُونَ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى.
بَعْدَ ذَلِكَ يَتَكَلَّمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَوْزِيعِ الْغَنَائِمِ، فَيَقُولُ: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْـزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
[ ص: 3058 ] وَيُبَيِّنُ اللَّهُ مَوَاقِعَ الْقِتَالِ يَوْمَ بَدْرٍ الَّذِي انْتَهَى بِالنَّصْرِ الْمُؤَزَّرِ، وَإِذْ يُرَبِّي اللَّهُ تَعَالَى قُوَّةَ رُوحِ الْمُؤْمِنِينَ بِرُؤْيَةِ الْأَعْدَاءِ فِي الْمَنَامِ قَلِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=43وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ وَإِنَّهُ فِي رُؤْيَةِ الْعِيَانِ تَسْتَقِلُّونَهُمْ لِتَتَقَدَّمُوا، وَيَسْتَقِلُّونَكُمْ لِأَنَّكُمْ فِعْلًا قِلَّةٌ، وَذَلِكَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=44لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا
وَيَدْعُو اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الثَّبَاتِ مُكَرِّرًا لَهُ; لِأَنَّ الثَّبَاتَ فِي الصَّدْمَةِ الْأُولَى هُوَ قُوَّةُ الصَّبْرِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " nindex.php?page=hadith&LINKID=651203إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى ".
وَيَدْعُو مَعَ الثَّبَاتِ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى; لِأَنَّهُ عُدَّةُ الْأَتْقِيَاءِ، وَيَنْهَى عَنِ التَّنَازُعِ حَتَّى لَا تَذْهَبَ الْقُوَّةُ، وَلَا يَكُنْ nindex.php?page=treesubj&link=7919خُرُوجُكُمْ بَطَرًا بِالْمَعِيشَةِ وَرَجَاءَ التَّرَفِ أَوْ رِئَاءَ النَّاسِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ هِيَ مَفَاسِدُ الْجِهَادِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُزَيِّنَ الشَّيْطَانُ لَكُمْ وَيَرْكَبَكُمْ وَيَقُولَ لَكُمْ: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=48لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِذَا الْتَقَى الْجَمْعَانِ قَالَ: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ.
وَعِنْدَئِذٍ يَجِدُ الْمُنَافِقُونَ سَبِيلًا إِلَى جُمُوعِكُمْ، وَيَقُولُونَ: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=49غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ فَاطْرَحُوا الشَّيْطَانَ وَغُرُورَهُ، وَتَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يَضْرِبُونَ وُجُوهَ الْكَافِرِينَ وَأَدْبَارَهُمْ عِنْدَ مَوْتِهِمْ، وَقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَمْثَالَ بِآلِ فِرْعَوْنَ إِذْ أَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ، وَإِذْ كَذَّبُوا، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=53لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ
وَمِنْ بَعْدِ ذَلِكَ يَعُودُ إِلَى الْجِهَادِ، وَالْوُقُوفِ أَمَامَ الْأَشْرَارِ وَحَرْبِهِمْ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِالْعَهْدِ لِمَنْ يُقَدِّمُ عَهْدًا إِنْ وَفَّوْا nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=58وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى حَذَرٍ وَاسْتِعْدَادٍ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=60وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ وَأَنَّهُ مَعَ وُجُوبِ الِاسْتِعْدَادِ وَالْإِعْدَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=61وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ
[ ص: 3059 ] وَلَا تَنْسَ التَّحْرِيضَ عَلَى الْقِتَالِ، فَيَتَجَمَّعُ الْعَهْدُ مَعَ الْوَفَاءِ، وَالِاسْتِعْدَادُ لِلسِّلْمِ وَلِلْحَرْبِ مَعًا، وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ تَأْلِيفِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ أَقْوَى أَسْبَابِ النَّصْرِ، وَإِنَّ الْقُوَّةَ الْمَعْنَوِيَّةَ مَعَ ائْتِلَافِ الْقُلُوبِ تُضَاهِي الْأُلُوفَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=65إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَإِنْ أُدْخِلَ فِيكُمْ ضَعْفٌ بِوُجُودِ الْمُنَافِقِينَ فِيكُمْ وَضِعَافِ الْإِيمَانِ فَإِنَّهُ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=66فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ
وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقْتَ الْأَسْرِ، وَهُوَ بَعْدَ الْإِثْخَانِ فِي الْأَرْضِ، وَعَتَبَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ وَالْمُؤْمِنِينَ أَنْ كَانَ لَهُمْ أَسْرَى وَأَخَذُوا فِدْيَةً، فَقَالَ: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=68لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=69فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=70يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ هَذَا إِذَا أَرَادُوا، وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَةَ الرَّسُولِ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ.
وَبَعْدَ ذَلِكَ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَاءَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ تَعَالَى: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=72إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
وَقَدْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْكَافِرِينَ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، فَلَا تَرْبُطُنَا بِهِمْ وِلَايَةٌ، وَإِلَّا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ.
وَقَدْ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ بَعْدَ ذَلِكَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=75وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
هَذِهِ nindex.php?page=treesubj&link=28882_28892إِشَارَاتٌ إِلَى مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا سُورَةُ الْأَنْفَالِ ، وَلَوْلَا أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لَقُلْنَا إِنَّهَا سُورَةٌ مِنْ سُورِ الْجِهَادِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.