الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1032 - مسألة : والضب حلال ، ولم ير أبو حنيفة أكله . وروينا من طريق الحارث عن علي بن أبي طالب أنه كره الضب . وعن أبي الزبير قال : سألت جابر بن عبد الله عن الضب فقال : لا تطعموه . واحتج أهل هذه المقالة بأحاديث - : منها صحيح : كالذي روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان ، وأبي معاوية الضرير عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن حسنة قال { : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فأصابتنا مجاعة فوجدنا ضبابا فبينما القدور تغلي بالضباب خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أمة من بني إسرائيل فقدت ، وإني أخاف أن تكون هذه هي فأكفئوها ، فألقينا بها } . هذا لفظ أبي معاوية ، ولفظ يحيى نحوه . ومنها غير صحيح : من طريق إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل : { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحم الضب } . وجاءت أخبار فيها التوقف فيه - : كالذي روينا من طريق مسلم حدثني محمد بن المثنى نا ابن أبي عدي عن داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري { عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه سئل عن الضب ؟ فقال عليه السلام . إن أمة من بني إسرائيل مسخت - فلم يأمر ولم ينه } ومثل هذا أيضا بمعناه صحيح من طريق جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم . [ ص: 113 ] ومن طريق زيد بن وهب عن ثابت بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم . ومن طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة عن زيد بن وهب عن البراء بن عازب عن ثابت ابن وديعة عن النبي صلى الله عليه وسلم . ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر { عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الضب : لا آمر به ، ولا أنهى عنه . } ومن طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أم المؤمنين : { أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بضب فلم يأكله فقالت : يا رسول الله ألا نطعمه المساكين ؟ قال : لا تطعموهم ما لم تأكلوا } . قال أبو محمد : أما هذه فلا حجة فيها ; وأما حديث عبد الرحمن بن شبل ففيه ضعفاء ومجهولون - فسقط - وأما حديث عبد الرحمن بن حسنة فهو حجة إلا أنه منسوخ بلا شك ، لأن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بإكفاء القدور بالضباب خوف أن تكون من بقايا مسخ الأمة السالفة ، هذا نص الحديث ، فإن وجدنا عنه عليه السلام ما يؤمن من هذا الظن بيقين فقد ارتفعت الكراهة أو المنع في الضب ، فنظرنا في ذلك - : فوجدنا ما رويناه من طريق مسلم نا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه وحجاج بن الشاعر واللفظ له كلاهما عن عبد الرزاق قال : أنا سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن المغيرة بن عبد الله اليشكري عن المعرور بن سويد عن عبد الله بن مسعود قال : { قال رجل : يا رسول الله القردة والخنازير هي مما مسخ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل لم يهلك قوما أو يعذب قوما فيجعل لهم نسلا ، وإن القردة ، والخنازير كانوا قبل ذلك } . ومن طريق ابن أبي شيبة عن وكيع عن مسعر بن كدام عن علقمة بن مرثد عن المغيرة بن عبد الله اليشكري عن المعرور بن سويد عن ابن مسعود { أن القردة ذكرت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام : إن الله لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك } . [ ص: 114 ] فصح يقينا أن تلك المخافة منه عليه السلام في الضباب أن تكون مما مسخ قد ارتفعت ، وصح أن الضباب ليست مما مسخ ، ولا مما مسخ شيء في صورها - : فحلت . ثم وجدنا ما رويناه من طريق مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف { عن عبد الله بن عباس قال : دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة : فأتي بضب محنوذ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ، فقلت : أحرام هو يا رسول الله ؟ قال : لا ، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه ، قال خالد : فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر } . فهذا نص جلي على تحليله ، وهذا هو الآخر الناسخ ، لأن ابن عباس بلا شك لم يجتمع قط مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة إلا بعد انقضاء غزوة الفتح ، وحنين ، والطائف ، ولم يغز عليه السلام بعدها إلا تبوك ، ولم تصبهم في تبوك مجاعة أصلا . وصح يقينا أن خبر عبد الرحمن بن حسنة كان قبل هذا الخبر بلا مرية فارتفع الإشكال جملة وصحت إباحته عن عمر بن الخطاب وغيره - : وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية