الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ( 128 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : ليقطع طرفا من الذين كفروا ، أو يكبتهم ، أو يتوب عليهم ، أو يعذبهم ، فإنهم ظالمون ، ليس لك من الأمر شيء .

فقوله : "أو يتوب عليهم " ، منصوب عطفا على قوله : "أو يكبتهم " .

وقد يحتمل أن يكون تأويله : ليس لك من الأمر شيء ، حتى يتوب عليهم فيكون نصب "يتوب " بمعنى "أو " التي هي في معنى "حتى " .

قال أبو جعفر : والقول الأول أولى بالصواب ، لأنه لا شيء من أمر الخلق إلى أحد سوى خالقهم ، قبل توبة الكفار وعقابهم وبعد ذلك .

وتأويل قوله : "ليس لك من الأمر شيء " ، ليس إليك ، يا محمد ، من أمر خلقي إلا أن تنفذ فيهم أمري ، وتنتهي فيهم إلى طاعتي ، وإنما أمرهم إلي والقضاء فيهم بيدي دون غيري ، أقضى فيهم وأحكم بالذي أشاء ، من التوبة على من كفر بي وعصاني وخالف أمري ، أو العذاب إما في عاجل الدنيا بالقتل والنقم المبيرة ، وإما في آجل الآخرة بما أعددت لأهل الكفر بي . كما : - [ ص: 195 ]

7804 - حدثني ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : ثم قال لمحمد صلى الله عليه وسلم : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون " ، أي : ليس لك من الحكم شيء في عبادي ، إلا ما أمرتك به فيهم ، أو أتوب عليهم برحمتي ، فإن شئت فعلت ، أو أعذبهم بذنوبهم "فإنهم ظالمون " ، أي قد استحقوا ذلك بمعصيتهم إياي .

وذكر أن الله عز وجل إنما أنزل هذه الآية على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنه لما أصابه بأحد ما أصابه من المشركين ، قال : كالآيس لهم من الهدى أو من الإنابة إلى الحق : "كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم!!

ذكر الرواية بذلك :

7805 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا حميد قال : قال أنس : قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، وكسرت رباعيته ، وشج ، فجعل يمسح عن وجهه الدم ويقول : كيف يفلح قوم خضبوا نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم!! فأنزلت : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون " . [ ص: 196 ]

7806 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .

7807 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم ، عن حميد الطويل ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .

7808 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين شج في جبهته وكسرت رباعيته : لا يفلح قوم صنعوا هذا بنبيهم! فأوحى الله إليه : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون " .

7809 - حدثني يعقوب ، عن ابن علية قال : حدثنا ابن عون ، عن الحسن : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد : كيف يفلح قوم دموا وجه نبيهم وهو [ ص: 197 ] يدعوهم إلى الله عز وجل!! فنزلت : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون " .

7810 - حدثنا يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، عن حميد ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحو ذلك .

7811 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون " ، ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، وقد جرح نبي الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وأصيب بعض رباعيته ، فقال وسالم مولى أبي حذيفة يغسل عن وجهه الدم : كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم! فأنزل الله عز وجل : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون " .

7812 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن مطر ، عن قتادة قال : أصيب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وكسرت رباعيته ، وفرق حاجبه ، فوقع وعليه درعان ، والدم يسيل ، فمر به سالم مولى أبي حذيفة ، فأجلسه ومسح عن وجهه فأفاق وهو يقول : كيف بقوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى الله! فأنزل الله تبارك وتعالى : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون " .

7813 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، قوله : "ليس لك من الأمر شيء " الآية قال : قال الربيع بن أنس : أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، وقد شج رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وأصيبت رباعيته ، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو عليهم ، [ ص: 198 ] فقال : "كيف يفلح قوم أدموا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى الله وهم يدعونه إلى الشيطان ، ويدعوهم إلى الهدى ويدعونه إلى الضلالة ، ويدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار! فهم أن يدعو عليهم ، فأنزل الله عز وجل : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون " ، فكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء عليهم .

7814 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي قال : حدثنا عباد ، عن الحسن في قوله : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم " الآية كلها ، فقال : جاء أبو سفيان من الحول غضبان لما صنع بأصحابه يوم بدر ، فقاتل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوم أحد قتالا شديدا ، حتى قتل منهم بعدد الأسارى يوم بدر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة علم الله أنها قد خالطت غضبا : كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى الإسلام! فقال الله عز وجل : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون " .

7815 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : أن رباعية النبي صلى الله عليه وسلم أصيبت يوم أحد ، أصابها عتبة بن أبي وقاص ، وشجه في وجهه . وكان سالم مولى أبي حذيفة يغسل عن النبي صلى الله عليه وسلم الدم ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : كيف يفلح قوم صنعوا بنبيهم هذا!! فأنزل الله عز وجل : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون " .

7816 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، وعن عثمان الجزري ، عن مقسم : أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة بن أبي وقاص يوم أحد ، حين كسر رباعيته ، ووثأ وجهه ، [ ص: 199 ] فقال : "اللهم لا يحل عليه الحول حتى يموت كافرا! " قال : فما حال عليه الحول حتى مات كافرا .

7817 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : شج النبي صلى الله عليه وسلم في فرق حاجبه ، وكسرت رباعيته .

قال ابن جريج : ذكر لنا أنه لما جرح ، جعل سالم مولى أبي حذيفة يغسل الدم عن وجهه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى الله! " . فأنزل الله عز وجل : ( ليس لك من الأمر شيء )

وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه دعا على قوم ، فأنزل الله عز وجل : ليس الأمر إليك فيهم .

ذكر الرواية بذلك :

7818 - حدثني يحيى بن حبيب بن عربي قال : حدثنا خالد بن الحارث قال : حدثنا محمد بن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يدعو على أربعة نفر ، فأنزل الله عز وجل : ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) قال : وهداهم الله للإسلام . [ ص: 200 ]

7819 - حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال : حدثنا أحمد بن بشير ، عن عمر بن حمزة ، عن سالم ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم العن أبا سفيان ! اللهم العن الحارث بن هشام ! اللهم العن صفوان بن أمية ! فنزلت : ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) . [ ص: 201 ]

7820 - حدثنا مجاهد بن موسى قال : حدثنا يزيد قال : أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ، عن عبد الله بن كعب ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر ، فلما رفع رأسه من الركعة الثانية قال اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام والوليد بن الوليد ! اللهم أنج المستضعفين من المسلمين! اللهم اشدد وطأتك على مضر ! اللهم سنين كسنين آل يوسف ! فأنزل الله : ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم ) الآية . [ ص: 202 ]

7821 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب أخبره ، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن : أنهما سمعا أبا هريرة يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يفرغ ، في صلاة الفجر ، من القراءة ويكبر ويرفع رأسه : "سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد " ثم يقول وهو قائم : "اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين! اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم كسني يوسف ! اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله! " . ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزل قوله : ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية