الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 248 ] 71 - باب

                                تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها

                                685 717 - حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك ، ثنا شعبة ، قال : أخبرني عمرو بن مرة ، قال : سمعت سالم بن أبي الجعد ، قال : سمعت النعمان بن بشير ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لتسون صفوفكم ، أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) .

                                686 718 - حدثنا أبو معمر ، ثنا عبد الوارث ، عن عبد العزيز ، عن أنس بن مالك ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أتموا الصفوف ؛ فإني أراكم خلف ظهري ) .

                                التالي السابق


                                حديث النعمان ، خرجه مسلم من رواية سماك بن حرب ، عنه ، بزيادة ، وهي في أوله ، وهي : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي القداح ، حتى رأى أنا قد عقلنا عنه ، ثم خرج يوما فقام حتى كاد يكبر ، فرأى رجلا باديا صدره من الصف ، فقال : عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) .

                                ومعناه : أنه كان يقوم الصفوف ويعدلها قبل الصلاة كما يقوم السهم .

                                وقد توعد على ترك تسوية الصفوف بالمخالفة بين الوجوه ، وظاهره : يقتضي مسخ الوجوه وتحويلها إلى صور الحيوانات أو غيرها ، كما قال : ( أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار - أو صورته صورة حمار - ) .

                                وظاهر هذا الوعيد يدل على تحريم ما توعد عليه .

                                [ ص: 249 ] وفي ( مسند الإمام أحمد ) بإسناد فيه ضعف ، عن أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لتسون الصفوف ، أو لتطمسن وجوهكم ، ولتغضن أبصاركم ، أو لتخطفن أبصاركم ) .

                                وقد خرج البيهقي حديث سماك ، عن النعمان ، الذي خرجه مسلم بزيادة في آخره ، وهي : ( أو ليخالفن الله بين وجوهكم يوم القيامة ) .

                                وهذه الزيادة تدل على الوعيد على ذلك في الآخرة ، لا في الدنيا .

                                وقد روي الوعيد على ذلك باختلاف القلوب ، والمراد : تنافرها وتباينها .

                                فخرج مسلم من حديث أبي مسعود الأنصاري ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ، ويقول : ( استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ) .

                                وسيأتي من حديث النعمان بن بشير - أيضا - نحوه .

                                وخرج أبو داود والنسائي نحوه من حديث البراء بن عازب .

                                وأما أمره في حديث أنس بإقامة الصفوف ، فالمراد به : تقويمها .

                                وقوله : ( فإني أراكم من وراء ظهري ) إعلام لهم بأنه صلى الله عليه وسلم لا يخفى عليه حالهم في الصلاة ؛ فإنه يرى من وراء ظهره كما يرى من بين يديه ، ففي هذا حث لهم على إقامة الصفوف إذا صلوا خلفه .

                                وقد سبق القول في رؤيته وراء ظهره ، وأنه صلى الله عليه وسلم وإن كان الله قد توفاه ونقله من هذه الدار ، فإن المصلي يناجي ربه وهو قائم بين يدي من لا يخفى عليه سره [ ص: 250 ] وعلانيته ، فليحسن وقوفه وصلاته ؛ فإنه بمرأى من الله ومسمع .

                                وقد روي أن تسوية الصفوف وإقامتها توجب تآلف القلوب :

                                فروى الطبراني من طريق سريج بن يونس ، عن أبي خالد الأحمر ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن علي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( استووا تستوي قلوبكم ، وتماسوا تراحموا ) .

                                قال سريج : ( تماسوا ) يعني : ازدحموا في الصلاة .

                                وقال غيره : ( تماسوا ) : تواصلوا .

                                واعلم أن الصفوف في الصلاة مما خص الله به هذه الأمة وشرفها به ؛ فإنهم أشبهوا بذلك صفوف الملائكة في السماء ، كما أخبر الله عنهم أنهم قالوا : وإنا لنحن الصافون وأقسم بالصافات صفا ، وهم الملائكة .

                                وفي ( صحيح مسلم ) عن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( فضلنا على الناس بثلاث : جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ) ... الحديث .

                                وفيه - أيضا - عن جابر بن سمرة ، قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ؟ ) فقلنا : يا رسول الله ، وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال : ( يتمون الصفوف الأولى ، ويتراصون في الصف ) .

                                وروى ابن أبي حاتم من رواية أبي نضرة ، قال : كان ابن عمر إذا أقيمت الصلاة استقبل الناس بوجهه ، ثم قال : أقيموا صفوفكم ، استووا قياما ، يريد الله بكم هدي الملائكة ، ثم يقول : وإنا لنحن الصافون تأخر فلان ، تقدم [ ص: 251 ] فلان ، ثم يتقدم فيكبر .

                                وروى ابن جريج ، عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث ، قال : كانوا لا يصفون في الصلاة ، حتى نزلت : وإنا لنحن الصافون

                                وقد روي أن من صفة هذه الأمة في الكتب السالفة : صفهم في الصلاة ، كصفهم في القتال .



                                الخدمات العلمية