الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فتضمن هذا الحكم أن الطلاق على أربعه أوجه : وجهان حلال ، ووجهان حرام .

فالحلالان : أن يطلق امرأته طاهرا من غير جماع ، أو يطلقها حاملا مستبينا حملها .

[ ص: 200 ] والحرامان : أن يطلقها وهي حائض ، أو يطلقها في طهر جامعها فيه هذا في طلاق المدخول بها .

وأما من لم يدخل بها ، فيجوز طلاقها حائضا وطاهرا ، كما قال تعالى : ( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ) [ البقرة : 236 ] .

وقال تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ) [ الأحزاب : 49 ] ، وقد دل على هذا قوله تعالى : ( فطلقوهن لعدتهن ) [ الطلاق : 1 ] ، وهذه لا عدة لها ، ونبه عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله : ( فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء ) ، ولولا هاتان الآيتان اللتان فيهما إباحة الطلاق قبل الدخول ، لمنع من طلاق من لا عدة له عليها .

وفي " سنن النسائي " وغيره من حديث محمود بن لبيد ، قال : أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا ، فقام غضبان ، فقال : ( أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ) ، حتى قام رجل ، فقال : يا رسول الله ! أفلا أقتله .

وفي " الصحيحين " : عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه كان إذا سئل عن الطلاق قال : أما أنت إن طلقت امرأتك مرة أو مرتين فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرني بهذا ، وإن كنت طلقتها ثلاثا ، فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك ، وعصيت [ ص: 201 ] الله فيما أمرك من طلاق امرأتك .

فتضمنت هذه النصوص أن المطلقة نوعان : مدخول بها وغير مدخول بها ، وكلاهما لا يجوز تطليقها ثلاثا مجموعة ، ويجوز تطليق غير المدخول بها طاهرا وحائضا .

وأما المدخول بها ، فإن كانت حائضا أو نفساء ، حرم طلاقها ، وإن كانت طاهرا ، فإن كانت مستبينة الحمل ، جاز طلاقها بعد الوطء وقبله ، وإن كانت حائلا لم يجز طلاقها بعد الوطء في طهر الإصابة ، ويجوز قبله . هذا الذي شرعه الله على لسان رسوله من الطلاق ، وأجمع المسلمون على وقوع الطلاق الذي أذن الله فيه ، وأباحه إذا كان من مكلف مختار ، عالم بمدلول اللفظ ، قاصد له .

التالي السابق


الخدمات العلمية