الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        401 - الحديث الرابع : عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال { أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع : أمرنا بعيادة المريض ، واتباع الجنازة ، وتشميت العاطس ، وإبرار القسم أو المقسم ، ونصر المظلوم ، وإجابة الداعي ، وإفشاء السلام . ونهانا عن خواتيم - أو عن تختم - بالذهب ، وعن الشرب بالفضة وعن المياثر وعن القسي ، [ ص: 680 ] وعن لبس الحرير ، والإستبرق ، والديباج } .

                                        التالي السابق


                                        " عيادة المريض " عند الأكثرين : مستحبة بالإطلاق وقد تجب ، حيث يضطر المريض إلى من يتعاهده ، وإن لم يعد ضاع ، وأوجبها الظاهرية من غير هذا القيد ، لظاهر الأمر .



                                        و " اتباع الجنائز " يحتمل أن يراد به : اتباعها للصلاة عليها فإن عبر به عن الصلاة : فذلك من فروض الكفايات عند الجمهور ويكون التعبير بالاتباع عن الصلاة من باب مجاز الملازمة في الغالب ; لأنه ليس من الغالب : أن يصلى على الميت ويدفن في محل موته ويحتمل أن يراد بالاتباع : الرواح إلى محل الدفن لمواراته .

                                        والمواراة أيضا : من فروض الكفايات لا تسقط إلا بمن تتأدى به .



                                        و " تشميت العاطس " عند جماعة كثيرة : من باب الاستحباب ، بخلاف " رد السلام " فإنه من واجبات الكفايات .



                                        وقوله " إبرار القسم ، أو المقسم " فيه وجهان :

                                        أحدهما : أن يكون المقسم مضموم الميم مكسور السين ، ويكون بمعنى القسم وإبراره : هو الوفاء بمقتضاه وعدم التحنيث فيه فإن كان ذلك على سبيل اليمين - كما إذا قال : والله لتفعلن كذا فهو آكد مما إذا كان على سبيل التحليف كقوله : بالله افعل كذا .

                                        ; لأن في الأول إيجاب الكفارة على الحالف وفيه تغريم للمال وذلك إضرار به .



                                        و " نصر المظلوم " من الفروض اللازمة على من علم بظلمه ، وقدر على نصره وهو من فروض الكفايات ، لما فيه من إزالة المنكر ، ودفع الضرر عن المسلم .



                                        وأما " إجابة الداعي " فهي عامة والاستحباب شامل للعموم ، ما لم يقم مانع وقد اختلف الفقهاء من ذلك في إجابة الداعي إلى وليمة العرس : هل تجب أم لا ؟ وحصل أيضا في نظر بعضهم توسع في الأعذار المرخصة في ترك إجابة الداعي .

                                        وجعل بعضها مخصصا لهذا العموم ، بقوله " لا ينبغي لأهل الفضل [ ص: 681 ] التسرع إلى إجابة الدعوات " ، أو كما قال ، فجعل هذا القدر من التبذل بالإجابة في حق أهل الفضل مخصصا لهذا العموم ، وفيه نظر .



                                        و " إفشاء السلام " إظهاره والإعلان به وقد تعلقت بذلك مصلحة المودة كما أشار إليه في الحديث الآخر ، من قوله صلى الله عليه وسلم { ألا أدلكم على ما إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم } .



                                        وليتنبه ; لأنا إذا قلنا باستحباب بعض هذه الأمور التي ورد فيها لفظ الأمر ، وإيجاب بعضها : كنا قد استعملنا اللفظة الواحدة في الحقيقة والمجاز معا إذا جعلنا حقيقة الأمر الوجوب ، ويمكن أن يتحيل في هذا على مذهب من يمنع استعمال اللفظ الواحد في الحقيقة والمجاز ، بأن يقال : نختار مذهب من يرى أن الصيغة موضوعة للقدر المشترك بين الوجوب والندب ، وهو مطلق الطلب فلا يكون دالا على أحد الخاصين - الذي هو الوجوب ، أو الندب - فتكون اللفظة استعملت في معنى واحد .



                                        وفيه دليل على تحريم التختم بالذهب .

                                        وهو راجع إلى الرجال ودليل على تحريم الشرب في أواني الفضة .

                                        وهو عام في الرجال والنساء والجمهور على ذلك ، وفي مذهب الشافعي قول ضعيف : أنه مكروه فقط ولا اعتداد به لورود الوعيد عليه بالنار . والفقهاء القياسيون لم يقصروا هذا الحكم على الشرب وعدوه إلى غيره كالوضوء والأكل ، لعموم المعنى فيه .



                                        " والمياثر " جمع ميثرة - بكسر الميم - وأصل اللفظة : من الواو ; لأنها مأخوذة من الوثار فالأصل : موثرة : قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها وهذا اللفظ مطلق في هذه الرواية ، مفسر في غيرها .

                                        وفيه النهي عن المياثر الحمر . وفي بعض الروايات " مياثر الأرجوان " و " القسي " بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة - ثياب حرير تنسب إلى القس وقيل : إنها بلدة من ديار مصر .



                                        و " الإستبرق " ما غلظ من الديباج .

                                        وذكر الديباج بعده : إما من باب ذكر العام بعد ذكر الخاص ، ليستفاد بذكر الخاص فائدة التنصيص ، ومن ذكر العام : زيادة إثبات الحكم في النوع الآخر ، أو يكون ذكر " الديباج " من باب التعبير [ ص: 682 ] بالعام عن الخاص ويراد به : ما رق من الديباج ليقابل بما غلظ وهو " الإستبرق " وقد قيل : إن " الإستبرق " لغة فارسية انتقلت إلى اللغة العربية وذلك الانتقال بضرب من التغيير ، كما هو العادة عند التعريب .




                                        الخدمات العلمية