الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب الصلاة بعد الجمعة

                                                                                                                                            1264 - ( عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات } رواه الجماعة إلا البخاري ) .

                                                                                                                                            1265 - ( وعن ابن عمر رضي الله عنه : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته . } رواه الجماعة ) .

                                                                                                                                            1266 - ( { وعن ابن عمر رضي الله عنه : أنه كان إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين ، ثم تقدم فصلى أربعا ، وإذا كان بالمدينة صلى الجمعة ، ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين ، ولم يصل في المسجد ، فقيل له في ذلك ، فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك } رواه أبو داود ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث ابن عمر الآخر سكت عنه أبو داود والمنذري ، وقال العراقي : إسناده صحيح ، وفي الباب عن ابن عباس عند الطبراني : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة أربعا } وفي إسناده مبشر بن عبيد وهو ضعيف جدا وفي السند ضعفاء غيره عن ابن مسعود عند الترمذي موقوفا عليه : { أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا } قوله : ( { إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها } . . . إلخ ) لفظ أبي داود والترمذي وهو أحد ألفاظ مسلم : { من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا } قال النووي في شرح مسلم : نبه بقوله : " من كان منكم مصليا " على أنها سنة ليست بواجبة ، وذكر الأربع لفضلها ، وفعل [ ص: 334 ] الركعتين في أوقات بيانا لأن أقلها ركعتان . قال : ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في أكثر الأوقات أربعا لأنه أمرنا بهن وحثنا عليهن . قال العراقي : وما ادعى من أنه معلوم فيه نظر ، بل ليس ذلك بمعلوم ولا مظنون ، لأن الذي صح عنه صلاة ركعتين في بيته ، ولا يلزم من كونه أمر به أن يفعله ، " وكون عمر بن الخطاب كان يصلي بمكة بعد الجمعة ركعتين ثم أربعا ، وإذا كان بالمدينة صلى بعدها ركعتين في بيته ، فقيل له فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك " فليس في ذلك علم ولا ظن أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل بمكة ذلك ، وإنما أراد رفع فعله بالمدينة فحسب ، لأنه لم يصح أنه صلى الجمعة بمكة ، وعلى تقدير وقوعه بمكة منه فليس ذلك في أكثر الأوقات بل نادرا ، وربما كانت الخصائص في حقه بالتخفيف في بعض الأوقات : { فإنه صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش } الحديث . فربما لحقه تعب من ذلك فاقتصر على الركعتين في بيته وكان يطيلهما كما ثبت في رواية النسائي : { وأفضل الصلاة طول القنوت } أي القيام ، فلعلها كانت أطول من أربع ركعات خفاف أو متوسطات انتهى . والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الأمة أمرا مختصا بهم بصلاة أربع ركعات بعد الجمعة ، وأطلق ذلك ولم يقيده بكونها في البيت ، واقتصاره صلى الله عليه وسلم على ركعتين كما في حديث ابن عمر لا ينافي مشروعية الأربع لما تقرر في الأصول من عدم المعارضة بين قوله الخاص بالأمة وفعله الذي لم يقترن بدليل خاص يدل على التأسي به فيه ، وذلك لأن تخصيصه للأمة بالأمر يكون مخصصا لأدلة التأسي العامة قوله : ( ركعتين في بيته ) استدل به على أن سنة الجمعة ركعتان .

                                                                                                                                            وممن فعل ذلك عمران بن حصين ، وقد حكاه الترمذي عن الشافعي وأحمد . قال العراقي : لم يرد الشافعي وأحمد بذلك إلا بيان أقل ما يستحب ، وإلا فقد استحبا أكثر من ذلك ، فنص الشافعي في الأم على أنه يصلي بعد الجمعة أربع ركعات ، ذكره في باب صلاة الجمعة والعيدين . ونقل ابن قدامة عن أحمد أنه قال : إن شاء صلى بعد الجمعة ركعتين ، وإن شاء صلى أربعا .

                                                                                                                                            وفي رواية عنه : وإن شاء ستا . وكان ابن مسعود والنخعي وأصحاب الرأي يرون أن يصلي بعدها أربعا لحديث أبي هريرة . وعن علي عليه السلام وأبي موسى وعطاء ومجاهد وحميد بن عبد الرحمن والثوري : أنه يصلي ستا ، لحديث ابن عمر المذكور في الباب .

                                                                                                                                            وقد اختلف في الأربع الركعات هل تكون متصلة بتسليم في آخرها أو يفصل بين كل ركعتين بتسليم ؟ فذهب إلى الأول : أهل الرأي وإسحاق بن راهويه وهو ظاهر حديث أبي هريرة . وذهب إلى الثاني الشافعي والجمهور كما قال العراقي ، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم : { صلاة النهار مثنى مثنى } أخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه وقد تقدم .

                                                                                                                                            والظاهر القول الأول لأن دليله خاص ، ودليل القول الآخر [ ص: 335 ] عام ، وبناء العام على الخاص واجب . قال أبو عبد الله المازري وابن العربي : إن أمره صلى الله عليه وسلم لمن يصلي بعد الجمعة بأربع لئلا يخطر على بال جاهل أنه صلى ركعتين لتكملة الجمعة ، أو لئلا يتطرق أهل البدع إلى صلاتها ظهرا أربعا .

                                                                                                                                            واختلف أيضا : هل الأفضل فعل سنة الجمعة في البيت أو في المسجد ؟ فذهب إلى الأول الشافعي ومالك وأحمد وغيرهم ، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : { أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة }

                                                                                                                                            وأما صلاة ابن عمر في مسجد مكة فقيل : لعله كان يريد التأخر في مسجد مكة للطواف بالبيت فيكره أن يفوته بمضيه إلى منزله لصلاة سنة الجمعة ، أو أنه يشق عليه الذهاب إلى منزله ثم الرجوع إلى المسجد للطواف ، أو أنه كان يرى النوافل تضاعف بمسجد مكة دون بقية مكة ، أو كان له أمر متعلق به .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية