الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الحجة الثانية عشرة ) اليمين الواحدة إذا تنازعا دارا ليست في أيديهما أو في أيديهما قسمت بينهما بعد أيمانهما فيقضي لكل واحد بمجرد يمينه .

وقال الشافعي رضي الله عنه ، وهي أقل حجة في الشريعة بسبب أنا لم نجد مرجحا عند الاستواء إلا اليمين ، وكذلك إذا استوت البينتان ، والأيدي أو البينتان من غير يد بل هي في يد ثالث قسمت بينهما بعد أيمانهما لوجود الترجيح باليمين ، ويدل على ذلك قوله عليه السلام { أمرت أن أقضي بالظاهر ، والله متولي السرائر } ، وهذا قد صار ظاهرا باليمين فيقضي به لصاحبه ، ولأنهما إن كانت في أيديهما فكل واحد يده على النصف فدفع عنه يمينه كسائر من ادعى عليه ، وإن كانت في يد ثالث فأقر لهما على نسبة اتفقا عليها قسم بينهما بغير يمين ، وإن تنازعا ، والثالث يقول هي لا تعدوهما فهي كما لو كانت بأيديهما بسبب إقراره لهما ، وإن قال الثالث لا أعلم هي لهما أم لغيرهما فهو موضع نظر وتوقف ، وعلى هذا التقدير تكون الأيمان في هذه الصور دافعة لا جالبة ، ولا يقضي فيها بملك بل بالدفع كمن ادعى عليه فأنكر ، وحلف ، وكثير من الفقهاء يعتقد أنها جالبة ، وأنها تقضي بالملك ، وليس كذلك ، وعلى هذا التقدير أيضا تندرج هذه اليمين في قوله عليه السلام { البينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر } ، وقال عليه السلام { شاهداك أو يمينه } لأن المراد في هذه الأحاديث اليمين الدافعة ، وهي هذه بعينها فتندرج .

[ ص: 98 ]

التالي السابق


[ ص: 98 ] حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الباب الحادي عشر ) في بيان ما تكون فيه الحجة الثانية عشرة وكونها دافعة أو جالبة ، ودليل قبولها ، وفيه وصلان : ( الوصل الأول ) في تبصرة ابن فرحون القضاء بالتحالف من الجهتين فيقضي لكل واحد منهما بيمينه ، وينقسم المدعى فيه بينهما أو يفسخ [ ص: 158 ] عن كل واحد منهما ما لزمه بموجب العقد بيمينه ، والحكم بالفسخ بينهما يدخل في أبواب كثيرة منهما اختلاف المتبايعين ، واختلافهما يرجع إلى ثمانية عشر نوعا يقع التحالف في أحد عشر نوعا : ( النوع الأول ) أن يختلفا في جنس الثمن فيقول أحدهما هذه دنانير ، ويقول الآخر ثوب فإنهما يتحالفان ويتفاسخان إذ ليس تصديق أحدهما بأولى من الآخر ، ويرد المبتاع قيمة السلعة عند الفوات نعم في مفيد الحكام القول قول مدعي البيع أو الشراء بالنقد مع يمينه ، وعلى الآخر البينة لأن الدراهم هي الأثمان ، وبها يقع البيع

( النوع الثاني ) أن يختلفا في نوع الثمن فيقول أحدهما هو قمح ، ويقول الآخر هو شعير فإنهما يتحالفان ، ويتفاسخا

( النوع الثالث ) أن يختلفا في مقدار الثمن فيقول أحدهما بعشرين ، ويقول الآخر بعشرة ، ولا خلاف أنهما يتحالفان ، ويتفاسخان ما لم يقبض المشتري السلعة إذ لا مزية لأحدهما على الآخر ، وإذا ترجحت دعوى المشتري بقبض السلعة ففيها أربع روايات ( أحدهما ) أن المشتري يصدق في الثمن مع يمينه لقوة اليد ( الثانية ) أنهما يتحالفان ، ويتفاسخان ، وأن قبضهما ما لم يبن بها ، ويصدق حينئذ بالبينونة ، والروايتان لابن وهب ( الثالثة ) أنهما يتحالفان ، ويتفاسخان ، وإن قبضها ، وبان بها ما لم تفت بتغير سوق أو بدن فيكون القول قول المشتري ، وهي رواية ابن القاسم في المدونة ، وبها أخذ ( الرابعة ) أنهما يتحالفان ، ويتفاسخان ، وإن فاتت في يد المشتري ، ويرد القيمة بدل العين ، وهي رواية أشهب ، وبها أخذ .

وقال المازري وبهذه الرواية كان يفتي شيخنا ، وأنا أفتي به أيضا قال ابن رشد ، وإنما يرد القيمة ما لم تكن أقل أو أكثر ، وحيث قلنا بالتحالف فالبداءة بالبائع ، وقيل بالمشتري ، وقيل يقرع بينهما فلو تناكلا فقال ابن القاسم يفسخ كما إذا تحالفا .

وقال ابن حبيب يمضي العقد بما قال البائع ، وإذا فرعنا على قول ابن القاسم فهل لأحدهما أن يلزم صاحبه البيع بما ذكر ؟ قولان ، وإذ قلنا بقول ابن حبيب فهل يفتقر البائع إلى يمين أم لا ؟ قولان ، وهل ينفسخ البيع بتمام التحالف أو يفتقر إلى الحكم ؟ قولان الأول قول سحنون ، والثاني قول ابن القاسم وابن عبد الحكم ، وثمرة الخلاف إن رضي أحدهما بقول الآخر فعلى قول ابن القاسم له ذلك ، وعلى قول سحنون ليس له ذلك ، وقال بعض القرويين إن تحالفا بأمر القاضي فلا بد من الحكم ، وإلا انفسخ بتمام التحالف

( النوع الرابع ) إذا اختلفا في تعجيل الثمن ، وتأجيله فقال البائع بعت بنقد ، وقال المشتري بل بنسيئة القول قول من ادعى العرف مع يمين فإن لم يكن لتلك السلعة عرف فقال القاسم يتحالفان ، ويتفاسخان ، وقال ابن وهب إن كانت السلعة بيد البائع فهو مصدق مع يمين ، وإن قبضها المبتاع صدق مع يمين ، وإن ادعى ما يشبه ، وقيل إن ادعى المبتاع أجلا قريبا يتحالفان ، ويتفاسخان إن كانت السلعة قائمة ، ويكون القول قول المشتري مع الفوات ، وإن ادعى أجلا بعيدا فالقول قول البائع ، وإن اتفقا على الأجل ، واختلفا في قدره فالقول قول المبتاع مع الفوات ، ويتحالفان ، ويتفاسخان إن كانت السلعة قائمة ، وإن اتفقا على الأجل ، واختلفا في انقضائه فالأصل عدم الانقضاء فيكون القول قول مدعيه مع يمين

( النوع الخامس ) إذا اختلفا في الخيار ، والبت فقال ابن القاسم القول قول المدعي البت مع يمين ، وقال أشهب القول قول مدعي الخيار ، وقيل يجري فيه الخلاف الذي تقدم اختلافهما في مقدار الثمن فإن ادعى كل واحد منهما أنه اشترط الخيار لنفسه دون الآخر فاختلف [ ص: 159 ] هل يتحالفان ، ويتفاسخان أو يتحالفان ، ويثبت البيع ؟ قولان لابن القاسم

( النوع السادس ) اختلافهما في الرهن ، والحميل ، وذلك كاختلافهما في قدر الثمن لأن الثمن يزيد مع

نقدهما فينقص مع وجودهما

( النوع السابع ) إذا اختلفا في عين المبيع فلا يخلو أن يختلفا في ذلك قبل القبض أو بعده فإن اختلفا فيه قبل القبض فقال البائع بعت منك هذا الثوب ، وقال المبتاع بل هذا ؛ تحالفا وتفاسخا ، وإن اختلفا فيه بعد القبض فالقول في ذلك قول البائع مع يمين وكذلك لو قال رددته عليك بعد التحالف والتفاسخ لأن الأصل أنه من ضمان المبتاع فلا يزال في ضمانه حتى يقر له البائع بالقبض أو تقوم له البينة

( النوع الثامن ) إذا اختلفا في قدر المثمون في بيع النقد ، وفيه الأقوال المتقدمة في اختلافهما في قدر الثمن ذكره المازري

( النوع التاسع ) إذا اختلفا في قدر المسلم فيه فحكى ابن يونس عن ابن المواز أنهما إذا اختلفا في القدر بالقرب من عقد السلم تحالفا ، وتفاسخا ، وإن اختلفا في ذلك عند حلول الأجل فالقول قول المسلم إليه مع يمينه إن أتى بما لا يشبه ، وإن أتى بما لا يشبه فالقول قول المسلم إليه فيما يشبه قال محمد فإن أتيا بما لا يشبه حملا على الوسط مما يشبه من سلم الناس

( النوع العاشر ) إذا اختلفا في الجودة فقال رب السلم سمراء ، وقال المسلم إليه محمولة فقال ابن حبيب القول قول المسلم إليه ، وقال فضل بن سلمة يتحالفان ، ويتفاسخان

( النوع الحادي عشر ) إذا اختلفا في موضع القضاء صدق مدعي موضع العقد فإن لم يدعه واحد منهما فالقول قول المسلم إليه فإن تباعد قولهما ، وأتيا بما لا يشبه تحالفا ، وتفاسخا ، وذلك إذا تباعدت المواضع جدا حتى لا يشبه قول واحد منهما ، ومما يجري فيه التحالف ، والتفاسخ اختلاف المتكاريين في الدور والأرضين والدواب في مقدار الأجرة أو في جنسها أو في مدة الإجارة فالحكم في ذلك كاختلاف المتبايعين في التحالف والتفاسخ ، ومن ذلك اختلاف رب الحائط وعامل المساقات في غلمان الحائط ، والدواب فقال العامل كانوا فيه ، وأنكر رب الحائط فإنهما يتحالفان ، ويتفاسخان وكذلك إذا اختلفا في جزء المساقاة قبل العمل تحالفا ، وتفاسخا ( ومن ذلك ) أيضا اختلاف الدائن ، والمدين الذي عليه دينان أحدهما برهن ، والآخر بغير رهن فقضى أحدهما في أن الذي قضاه أي واحد منهما فقال رب الدين هو الذي ليس فيه رهن ، وقال المطلوب هو الذي فيه الرهن تحالفا ، وقسم ذلك بين الحقين ، وهذا إذا ادعيا أنهما بينا ذلك عند دفع الحق ، وأما لو دفعه المطلوب ، ولم يذكر شيئا فلم يختلف أنه يقسم إذا كانا حالين أو مؤجلين لاستوائهما ، وإلا فالقول قول من ادعى أنه من الحال ، ومن ذلك أيضا اختلاف الزوجين في نوع الصداق وعدده قبل البناء من غير موت ولا طلاق فإنهما يتحالفان ، ويتفاسخان ، ووجب صداق المثل ، ومن ذلك ما إذا تنازعا دارا ليست في أيدهما قسمت بينهما بعد إيمانهم ا هـ كلام ابن فرحون بتصرف .

وقوله ليست في أيديهما أي بأن كانت في يد ثالث قال هي لا تعدوهما ، وقوله قسمت بينهما بعد إيمانهما أي في الصورة المذكورة بسبب إقرار الثالث لهما سواء كانت دعوى كل منهما مجردة عن البينات أو مع البينات المستوية وكذا إذا كانت بأيديهما كانت دعوى كل مجردة أو مع البينات المستوية ففي كل صورة من هذه الصور الأربع يقضي لكل بمجرد يمينه لوجود الترجيح باليمين ، وأما إذا كانت في يد ثالث لم يقل ما ذكر فإن أقر لهما على نسبة اتفقا عليها قسم بينهما بغير يمين ، وإن قال لا أعلم هي لهما أو لغيرهما فهو موضع نظر [ ص: 160 ] وتوقف كما في الأصل .

وقاله ابن الشاط ، والله أعلم

( الوصل الثاني ) في الأصل قال الشافعي رضي الله عنه هذه الحجة أقل حجة في الشريعة بسبب أنا لم نجد مرجحا عند الاستواء إلا اليمين فقلنا بالترجيح به لقوله عليه السلام { أمرت أن أقضي بالظاهر ، والله متولي السرائر } ، وهذا قد صار ظاهرا باليمين فيقضى به لصاحبه قال الأصل ، ولأنها إن كانت في أيديهما أو أقر الثالث بأنها لا تعدوهما كان كل واحد منهما يده على النصف أو له النصف بإقرار الثالث فتدفع عنه بيمينه كما تدفع يمين سائر من ادعى عليه فتندرج هذه اليمين في قوله عليه السلام { البينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر } .

وقوله عليه السلام { شاهداك أو يمينه } لأن المراد في هذه الأحاديث اليمين الدافعة ، وهي هذه بعينها ، وليست هي الجالبة التي تقضي بالملك كما اعتقد كثير من الفقهاء ا هـ كلام الأصل ، وسلمه ابن الشاط ، وقال ابن فرحون والأصل في جريان التحالف والتفاسخ من المتبايعين في الأنواع المذكورة حديث إذا اختلف المتبايعان تحالفا ، وتفاسخا ا هـ ، والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية