الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما جاء في اجتماع العيد والجمعة

                                                                                                                                            1267 - ( عن زيد بن أرقم رضي الله عنه وسأله معاوية : هل شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا ؟ قال نعم ، صلى العيد أول النهار ، ثم رخص في الجمعة فقال : { من شاء أن يجمع فليجمع } رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            1268 - ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { قد اجتمع في يومكم هذا عيدان ، فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون } رواه أبو داود وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            1269 - ( وعن وهب بن كيسان رضي الله عنه قال : { اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير ، فأخر الخروج حتى تعالى النهار ، ثم خرج فخطب ، ثم نزل فصلى ولم يصل للناس يوم الجمعة ، فذكرت ذلك لابن عباس فقال : أصاب السنة . } رواه النسائي وأبو داود بنحوه ، لكن من رواية عطاء ولأبي داود عن عطاء قال : اجتمع يوم الجمعة ويوم الفطر على عهد ابن الزبير فقال : عيدان اجتمعا في يوم واحد ، فجمعهما جميعا فصلاهما ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث زيد بن أرقم أخرجه أيضا النسائي والحاكم وصححه علي بن المديني ، وفي [ ص: 336 ] إسناده إياس بن أبي رملة وهو مجهول . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا الحاكم ، وفي إسناده بقية بن الوليد ، وقد صحح أحمد بن حنبل والدارقطني إرساله ، ورواه البيهقي موصولا مقيدا بأهل العوالي وإسناده ضعيف ، وفعل ابن الزبير وقول ابن عباس : أصاب السنة رجاله رجال الصحيح .

                                                                                                                                            وحديث عطاء رجاله رجال الصحيح .

                                                                                                                                            وفي الباب عن ابن عباس عند ابن ماجه . قال الحافظ : وهو وهم منه نبه عليه هو . وعن ابن عمر عند ابن ماجه أيضا وإسناده ضعيف . ورواه الطبراني من وجه آخر عن ابن عمر ، ورواه البخاري من قول ابن عثمان ورواه الحاكم من قول ابن الخطاب كذا قال الحافظ قوله : ( ثم رخص في الجمعة . . . إلخ ) فيه أن صلاة الجمعة في يوم العيد يجوز تركها . وظاهر الحديثين عدم الفرق بين من صلى العيد ومن لم يصل ، وبين الإمام وغيره ، لأن قوله : " لمن شاء " يدل على أن الرخصة تعم كل أحد .

                                                                                                                                            وقد ذهب الهادي والناصر والأخوان إلى أن صلاة الجمعة تكون رخصة لغير الإمام وثلاثة . واستدلوا بقوله في حديث أبي هريرة : " وإنا مجمعون " وفيه أن مجرد هذا الإخبار لا يصلح للاستدلال به على المدعى ، أعني الوجوب . ويدل على عدم الوجوب وأن الترخيص عام لكل أحد ترك ابن الزبير للجمعة وهو الإمام إذ ذاك . وقول ابن عباس : أصاب السنة ، رجاله رجال الصحيح ، وعدم الإنكار عليه من أحد من الصحابة . وأيضا لو كانت الجمعة واجبة على البعض لكانت فرض كفاية وهو خلاف معنى الرخصة . وحكي في البحر عن الشافعي في أحد قوليه وأكثر الفقهاء أنه لا ترخيص ، لأن دليل وجوبها لم يفصل ، وأحاديث الباب ترد عليهم . وحكي عن الشافعي أيضا أن الترخيص يختص بمن كان خارج المصر . واستدل له بقول عثمان : من أراد من أهل العوالي أن يصلي معنا الجمعة فليصل ، ومن أراد أن ينصرف فليفعل ورده بأن قول عثمان لا يخصص قوله صلى الله عليه وسلم . قوله : ( لم يزد عليهما حتى صلى العصر ) ظاهره أنه لم يصل الظهر ، وفيه أن الجمعة إذا سقطت بوجه من الوجوه المسوغة لم يجب على من سقطت عنه أن يصلي الظهر ، وإليه ذهب عطاء ، حكي ذلك عنه في البحر .

                                                                                                                                            والظاهر أنه يقول بذلك القائلون بأن الجمعة الأصل . وأنت خبير بأن الذي افترضه الله تعالى على عباده في يوم الجمعة هو صلاة الجمعة فإيجاب صلاة الظهر على من تركها لعذر أو لغير عذر محتاج إلى دليل ، ولا دليل يصلح للتمسك به على ذلك فيما أعلم .

                                                                                                                                            قال المصنف رحمه الله تعالىبعد أن ساق الرواية المتقدمة عن ابن الزبير : قلت إنما وجه هذا أنه رأى تقدمة الجمعة قبل الزوال فقدمها واجتزأ بها عن العيد انتهى . لا يخفى ما في هذا الوجه من التعسف .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية