الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 2229 ] كتاب المفقود

                                                                                                                                                                                        النسخ المقابل عليها

                                                                                                                                                                                        1 - (ب) نسخة برلين رقم (3144)

                                                                                                                                                                                        2 - (ح) نسخة الحسنية رقم (12929)

                                                                                                                                                                                        3 - (ش 1) نسخة الشيخ أباه - النباغية (شنقيط) [ ص: 2230 ]

                                                                                                                                                                                        [ ص: 2231 ]

                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                        وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

                                                                                                                                                                                        كتاب المفقود

                                                                                                                                                                                        باب في امرأة المفقود تتزوج بعد ضرب الأجل من السلطان ثم يقدم زوجها، والمطلقة تتزوج بعد انقضاء العدة ثم يثبت أن زوجها كان ارتجعها في العدة

                                                                                                                                                                                        اختلف عن مالك في ذلك فقال مرة: عقد الثاني عليها فوت، وبه قال المغيرة وغيره من أصحاب مالك، ثم رجع وقال: الأول أحق بها ما لم يدخل الثاني، وبه قال ابن القاسم وأشهب، ولم يختلف قول مالك أن الدخول فيهما فوت، وأن انقضاء العدة في زوجة المفقود لا يفيتها.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يكون العقد في امرأة المفقود فوتا؛ لأن الحاكم أباح لها الأزواج مع إمكان حياته، وما كشف الغيب شيئا أكثر من الذي كان يظن، وقد قال الأبهري وغيره من البغدادين: إن الطلاق عليه للضرر الذي يدركها في عدم [ ص: 2232 ] الوطء. وعلى هذا لا يكون أحق بها وإن لم تتزوج فيها.

                                                                                                                                                                                        وليس كذلك امرأة المرتجع؛ لأنه لم يكن فيها أمر ولا قضية من حاكم، فوجب أن يكون أحق بها وإن تزوجت.

                                                                                                                                                                                        ويجري فيها قول ثالث أنه أحق بها وإن دخل الآخر، قياسا على أحد الأقوال في النصرانية تسلم وزوجها غائب، وذكر الشيخ أبو محمد بن أبي زيد عن ابن الماجشون أنه قال: إن ثبت أنه أسلم قبلها أو بعدها في العدة كان أحق بها، وإن ولدت من الثاني.

                                                                                                                                                                                        وهذا أحسن؛ لأن الإسلام والرجعة هدما حكم الطلاق، وألا تباح للأزواج، فصارت بمنزلة امرأة ذات زوج تزوجت ولها زوج.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب محمد: إذا كان الزوج الذي ارتجعها حاضرا فلم يعلمها برجعته حتى تزوجت، ودخل بها أنها تمضي زوجة للثاني والحاضر أعظم ظلما. وليس هذا أيضا بالبين.

                                                                                                                                                                                        ولو رأى رجل زوجته تتزوج ولم ينكر عليها لم يكن ذلك طلاقا، ولو عد ذلك من المرتجع طلاقا لاحتسب بطلقة أخرى، وفرق بينها وبين الثاني، [ ص: 2233 ] واستأنفت العدة من الأول.

                                                                                                                                                                                        قال محمد: ولو قدم المفقود بعد أن خلا بها الثاني فقال للأول: ما قربتها، لحرمت على الثاني، ولم تحل للأول إلا أن يخطبها بعد ثلاث حيض. وجعل اعترافه كالطلاق، وإن لم يطلق فتحل لذلك الزوج، ولا تحل لغيره إن اعترفت أن الثاني لم يصبها: لأنها مقرة أنها زوجة الأول.

                                                                                                                                                                                        وإن ادعت أنه أصابها حلت له ولغيره؛ لأنه يعد ذلك منه طلاقا، فإن أنكرت أن يكون أصابها، ولم يصدقها الأول ولا راجعها، كان لها أن ترفع أمرها إلى السلطان فتطلق على الأول؛ لأنها تقول: لا أبقى بغير نفقة، ولو أنفق عليها، لكان لها أن تقوم بعدم الإصابة؛ لأن إنكار الأول أن تكون صدقت وقوله: لا علم عندي؛ لا يعد طلاقا.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا دخل بها الثاني، ثم طلقها وانقضت العدة، ثم قدم الأول وقد كان طلقها قبل غيبته تطليقتين هل يحلها الثاني للأول؟ فقال مالك في المبسوط وأشهب في السليمانية: تحل. وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: لا تحل. [ ص: 2234 ]

                                                                                                                                                                                        والأول أحسن؛ لأن بدخول الثاني يتبين أنه قد وقع على الأول طلقة من وقت ابتدأت العدة، ولو كانت الطلقة إنما تقع بدخول الثاني، لكان الثاني نكاحا فاسدا، ويفرق بينها وبينه.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية